ننمو داخل شرنقةٍ من كلّ ما نرثه من التاريخ القديم الذي كفانا المؤونة فتوقَّفنا عند منجزاته. الشرنقة تكبر يوما بعد يوم وتتكثّف وتنغلق تماما حتى لا ضوءَ يمكن أن يعبر من خلالها إلى الداخل المعتم. عندما يكبر الواحد منا على صعيد الوعي، يحاول أن يتعرَّف على درب الخلاص من هذه الشرنقة والخروج منها دون أن يموت في الخارج، خصوصا بعد أن تعوَّد على طعام واحد وشراب واحد وهواء واحد وحالة واحدة من الحياة. عندما يكبر الواحد منا، يحاول أن يحمل حياته إلى أقرب نهر وأن يغسلها غسلا جيدا من كلّ ما لحقها من أدران وطحالب. إلا أنّ محاولة الخروج تعني الانتماء إلى المجهول . بالنسبة للقابعين داخل الشرنقة بقناعة تامة. وهبْ أنّك عرفتَ الدرب بكل أسراره في نهاية المطاف، فهناك ما هو أخطر من معرفة الدرب.. هناك معرفة السير عليه. الخروج يعني أن تحاول جاهدا القيام بإعادة إنتاجك أنتَ شخصيا كإنسان يعيش إنسانيته كما ينبغي له أن يعيشها.. الخروج يعني امتلاكك الحريَّة وحملك للأمانة التي عرضها الله على أهل السماوات والأرض، فالحرية هي الأمانة التي أضعناها نحن الخارجين من التاريخ -وليس من الشرنقة- فدخلنا صحراء التيه وضُربت علينا الذلة والمسكنة. الحرية هي الأمانة التي أضعناها نحن الخارجين من التاريخ -وليس من الشرنقة- فدخلنا صحراء التيه وضُربت علينا الذلة والمسكنة.. من منَّا قادرٌ على اعتناق الحياة من بدايتها إلى نهايتها على أنها رحلة (حجّ) قدسية من القلب إلى العقل؟ من منَّا قادر على أن (يُحرم) عن تناول التراث دون مساءلة تزلزله من جذوره وتقتلع الهشَّ منها؟ من منَّا قادر على أن (يطوف) بالأسئلة الكبرى طواف المؤمن بقدسية السؤال، و (يسعى) بين الشك واليقين؟ من منَّا قادر على أن (يفيض) خارج عاطفته الجماعية التي تربَّى عليها، وأن (يرمي) جمرةَ الخلاص نحو شيطان أناه بحرفيَّة لاعب كرة السلَّة الماهر؟؟ من منَّا قادر على معاهدة نفسه ألاَّ (يحلّ) من إحرامه في حرم البحث والتنقيب عن الحقيقة مادامت بوابة السؤال في الحياة مفتوحة على مصراعيها؟ القادر على كلّ ذلك هو الخارج من الشرنقة بامتياز. [email protected]