في زمن الثورة السورية، يسطع ضوء جميل في عالم الفن، هو ضوء الفنانة أصالة، التي ميّزت نفسها، وبلدها بطربٍ من نوع خاص، لا يقلدها فيه أحد، فكانت نجمة سوريا الأولى بلا منازع في السنوات الأخيرة، وسفيرة دمشقية، تؤكد أن سوريا تتمتع بالتاريخ الطويل، والفن الأصيل. ونظراً لأنني أحد متابعي الفنانة، وجدت أنه من الواجب أن أُسدي لها النصيحة الخالصة لوجه الله، دون وسيط، متأملاً ألا يلعب الدخلاء والمنافقون لعبتهم القذرة، يحاولون إقناع الفنانة بأن كاتب هذا التعليق، إنسان حاقد، بل عليهم أن يخبروها بأنه أحد الخائفين على فنها وتاريخها الطويل من الاندثار. من المعروف أن أغنيات الفنانة السورية تسير بوتيرة ثابتة، ومستوى متقارب، بيد أن أغنياتها الخليجية، تبدو نشازاً، يعكّر صوتاً لطالما أطربنا، وأشجانا بأسلوبه المميّز، ومن لا يصدّقني فعليه أن يستمع إلى الأغنيات الخليجية لأصالة، ليدرك أنها فشلت في إتقان هذه اللكنة، والتحكّم في مخارج الحروف، وتشكيلها بالنسب التي تعلمها أهل المنطقة بالسليقة. لا أقصد الإهانة أو التجريح، إذا أعلنت أن أصالة غنت باللهجة الخليجية، من أجل "الفلوس" فقط، وهذا حق لها، ولكن ما هو ليس حقها، أن تعرّض تاريخها الفني الطويل والناصع للخطر من أجل حفنة من الريالات أو الدراهم، فهذا ليس مقام أصالة، وليس جزاء من أحب فنها. وما أنا متأكد منه، أن أصالة نفسها تعلم أن موضوع "الفلوس" حقيقي، ولا جدال فيه، وتعلم أيضاً أنها مهما أبدعت خليجياً، فلن تصل إلى ما وصلت إليه فنانات الخليج، أمثال أحلام، ونوال، ومشاعل، والأخيرة أيّدتني في الرأي مؤخراً، وأعلنت في إذاعة (أأ)، من خلال برنامج (أأ) أن أصالة عندما غنّت باللهجة الخليجية، كان هدفها الفلوس ليس أكثر. أعلم أن أصالة لا تميل لغناء اللون الخليجي من منطلق نفسها، وقد دخلت هذا النفق، بفضل علاقاتها مع نجوم الكلمة الخليجية، أمثال سهم وفزاع، اللذين شجّعاها على هذا الأمر، فوجدته مربحاً مالياً، واصلت الطريق فيه.. وما ينطبق على أصالة، ينطبق وبشكل كبير على الفنانتين يارا وميريام فارس، اللتين اعتادتا أن تغنيا بجسديهما، قبل أن تغنيا بصوتيهما، وهذا ليس من الخليجي في شيء. أتذكر أنه في أحد الأيام، وأثناء قيامي بتغيير قنوات التلفاز، وجدت أحلام وأصالة مجتمعتين في برنامج "شط الهوى"، وكانت أحلام تغني أغنية "شرها وعتب"، تعود ملكيتها للفنانة أصالة، بشكل عفوي، وصل صوت أحلام إلى مسامعي وكأنه صوت كروان يغرد، لا مثيل له، وقادني الفضول الصحافي لأن أستمع لصوت أصالة وهي تغني الأغنية ذاتها، ويا ليتني ما سمعت، إذ اصطدمت بصوت يبذل جهداً في التقليد والمحاكاة، فظلم نفسه، قبل أن يظلم جمهوره، وكرّرت أحلام التجربة مرة ثانية، فغنت "سواها قلبي"، في برنامج مع المذيع نيشان وهي أغنية لأصالة، فاتضح الفرق بين الفنانتين، ومن هنا، لا ألوم أصالة، إن هي غارت من أحلام، التي تتقن «لكنة» أهل الخليج؛ لأنها مواطنة خليجية، وعلى أصالة، ومعها ميريام فارس ويارا، وحتى لطيفة أن يعلمن أن للغناء الخليجي فنانيه، وأن الداخل في زمرتهم، خاسر أو مقلد أو راغب شهرة ومال؛ لأن أهل مكة أدرى بشعابها. وكلمة حق، يجب أن أردّدها في حق الفنانة مشاعل، التي رغم أنها لبنانية، إلا أنها أجادت الغناء بالخليجية تماماً، بصوت جميل ودافئ يبشّر بالخير الوفير، وليس في الأمر سر، إذا علمنا أن مشاعل تربّت في المنطقة منذ كان عمرها 3 شهور، وتعلّمت مبادئ لهجة أهل المنطقة، فكانت خليجية سعودية خالصة، ولكن بجنسية مغايرة. ولعلها مناسبة، لأهمس في أذن أصالة، وأنصحها بإعادة النظر في غنائها باللهجة الخليجية؛ لأن هذه الخطوة لن تزيدها شيئاً، بل ربما تقلص من نجاحاتها، وتحطم تاريخها الفني، فلا يبقى للفن السوري أي طعم بدون أصالة، التي عليها أن تتعلم دروس الولاء والانتماء والقدرات من أحلام، تلك الفنانة التي غنت بلهجتها فقط، ولم تغادرها إلى لهجات أخرى، قد تنجح فيها، وقد تفشل، فحققت (أحلام) المجد في أعلى مراتبه، وأصبحت نجمة الخليج الأولى.