مخطئ من يعتقد أن بإمكانه نزع «الوطنية» عن أي منطقة أو مكان ما على هذه الأرض، لمجرد سلوك فردي أجمعت الغالبية على رفضه واستنكاره. ومخطئ كثيراً من يعمم في أحكامه، متناسياً أننا على هذه الأرض، نسيج واحد، لشعب واحد، مهما تعددت تياراته وتنوعت أفكاره في إطار عام هدفه حماية وحدة هذا الوطن أولاً، ثم الحفاظ على مكوناته الأساسية. لا يستطيع أحد أن يجزم بأن هناك مجتمعاً ملائكياً منذ بدء الخليقة، كما لا يستطيع أحد أن يستأثر بالمواطنة وحده، ولهذا فإنه من الصحيح أن الأزمات تكشف المعدن الأصيل لكل أمة، فنجد الإجماع والاتفاق الجمعي على هدف ما، وهو ما تحقق خلال كل ما مرّ بوطننا من أحداث استطعنا، وعبر تكاتف كل نسيجنا الاجتماعي، مواجهتها وتجاوزها والتغلب عليها. وما مسارعة علماء ومشايخ ورجال القطيف، بإدانة وشجب واستنكار بعض التصرفات الفردية التي وقعت مؤخراً إلا دليل عملي على هذه الوحدة الاجتماعية والتلاحم الوطني الذي نعتبره أساس وجودنا ومسوّغ بقائنا. ولقد جاءت كلمات ومشاعر علماء القطيف الذين استقبلهم الأمير محمد بن فهد، أمير المنطقة الشرقية أول أمس، وتأكيدهم على أن «حفظ الأوطان مقدم على أوجب الواجبات، وأن أمن البلاد خط أحمر لا يمكن التهاون فيه بأي شكل من الأشكال، وأن ولاء أهل القطيف دوما للوطن وقيادته» إشارة واضحة لا تقبل الشك على أن ما يجمعنا جميعاً أكثر بكثير وأعمق مما يتخيل البعض. وهو ما جدده الأمير محمد بن فهد أيضاً بقوله إنه لن يتم السماح «لقلة أن يعكروا صفو الأمن، فالدولة حريصة على أمن المواطن أينما كان». الإشارة التي يجب الالتفات إليها، وكما أجمع أهالي القطيف، هي أن «ما حدث خلال الأيام الماضية هو أمر مرفوض».. وأن «من قام به هم فئة قليلة جدا ولا تمثل أهالي القطيف الشرفاء.. وأن منفذي الأعمال قُصّر وغير راشدين، ولا أحد من العقلاء والحكماء يوافقهم على أعمالهم».، وهذه إضافة مهمة، يجب الانتباه إليها عند قراءة الحدث، ولكن تبقى الدعوة إلى «أن على الجميع الأخذ على أيدي الفئة التي تحاول المساس بأمن هذه البلاد المقدسة».. منهجاً عملياً ينبغي استثارته، والتوحد في أسلوب المعالجة لمثل هذه التصرفات. إننا نؤمن جيداً، بأن القطيف منطقة عزيزة على قلوبنا، شأنها في ذلك شأن كل محافظات ومناطق الوطن، ونؤمن كثيراً، بأن تاريخ القطيف المليء بالرجولة والحكمة والإخلاص للوطن كواحة حياة، وللقيادة كمنهج حكم، لا يمكن أن يقلل منه أحد، لمجرد تصرفات فردية أو صبيانية، كان أهالي القطيف وعلماؤها أول من استنكرها وأدانها. تبقى الخطوة الأهم، والتي يجب أن نحرص عليها جميعاً على هذه الأرض، وهو أنه كما نجحنا كمواطنين في كسر شوكة كل ما مر بنا من أزمات، فإننا قادرون أيضاً على مواجهة مثل هذه التصرفات عبر تحرك العقلاء والحكماء وأهل الفكر والحكمة لإخماد أية محاولات لإثارة البلبلة وإذكاء الفتنة الطائفية ووأد التصرفات الخرقاء التي تستهدف وحدتنا الوطنية. وأخيراً.. تبقى القطيف، كما الدمام، وسيهات كما الظهران، وصفوى والخبر والهفوف، واحات حب على هذه الأرض، تبقى كل المدن والقرى والهجر، أنشودة إخلاص وعشق وتلاحم ووفاء لهذه الأرض، ولهذه القيادة، ولن تنجح البثور القليلة في تشويه وجه هذا الوطن الجميل.