بحضور خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله، وصاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، وقع الرئيس اليمني علي عبدالله صالح مساء الاربعاء في قصر خادم الحرمين الشريفين بالرياض على المبادرة الخليجية لحل الأزمة اليمنية. كما وقع ممثلو الحكومة اليمنية وأحزاب اللقاء المشترك على الآلية التنفيذية للمبادرة. وقد بدأت مراسم التوقيع بتلاوة آيات من القرآن الكريم. وألقى خادم الحرمين الشريفين كلمة دعا فيها اليمنيين إلى البدء بمرحلة جديدة من تحكيم العقل ونبذ الفرقة وجمع الكلمة. وقال لليمنيين إن المملكة ستبقى عوناً لكم بعد الله تعالى. فيما يلي نص كلمة خادم الحرمين الشريفين حفظه الله. بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله القائل في محكم كتابه: (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين), والصلاة والسلام على رسول الرحمة وعلى آله وصحبه أجمعين. أيها الإخوة الأشقاء : نرحب بكم في وطنكم المملكة العربية السعودية التي وفقها الرب جل جلاله مع إخوتها في اليمن الشقيق ومع أشقائنا في دول مجلس التعاون الخليجي أن نحتفي اليوم بما وفقكم الله إليه من تحكيم العقل، ونبذ الفرقة، وجمع الكلمة، فقد زكى رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم بلادكم ووصفها بالإيمان والحكمة. أيها الأخوة الكرام في اليمن الشقيق شعباً وحكومة: اليوم تبدأ صفحة جديدة من تاريخكم, تحتاج منكم اليقظة، وإدراك المصالح، وتحديد الأهداف، فالحرية بكل أشكالها لا يمكن لها أن تستقيم دون المسؤولية، فإن اختلفا، فإن النتيجة لذلك هي الفوضى في متاهات لا يعلمها غير الحق جل جلاله. ولا يكون ذلك إلا بالثبات على قوله الكريم: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم). ولا يدفعكم الماضي إلى متاهات الظلام, وتذكروا قوله تعالى: (عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام). أيها الأخوة الأشقاء: سيبقى وطنكم المملكة العربية السعودية كما كان في الماضي، عوناً لكم بعد الله، وهذا يستدعي منكم مواجهة التحديات القادمة بحكمة وصدق وشفافية. وليكن طريقكم إلى ذلك الصبر والعمل، وبدون ذلك لا مجال لتحقيق آمالكم وطموحاتكم وأهدافكم النبيلة. ختاماً, أقول قولي هذا, وأدعوكم للتمسك بقول الحق :(وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا)، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وحضر حفل التوقيع صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز وزير الدفاع، وصاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية وصاحب السمو الملكي الأمير عبدالإله بن عبدالعزيز مستشار خادم الحرمين الشريفين ، ووزير خارجية الإمارات عبدالله بن زايد والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبداللطيف الزياني، ومبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن جمال بن عمر. ووقعت الاتفاقية في الرياض، بيت العرب، وقلب العروبة الذي ينبض بهموم الأمة وآلامها. بحضور صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية. وترتب المبادرة الخليجية آليات نقل السلطة من الرئيس اليمني إلى نائبه ليبدأ الأخير مرحلة انتقالية تجرى فيها انتخابات نيابية ورئاسية. شهور من الاضطرابات في اليمن بدأت الاضطرابات في اليمن منذ يوم 3 فبراير الماضي، حينما تجمع المحتجون، مطالبين بإنهاء نظام الرئيس صالح. وتصاعدت فيما أطلق عليه «جمعة الغضب» وهو يوم سقوط نظام الرئيس المصري حسني مبارك. وتحالفت قوى حزبية ومعارضة، وقوى الحراك الشبابي، والقوى الجنوبية المؤيدة لاستقلال الجنوب، لإسقاط نظام صالح، بعد 33 سنة في الحكم. واتقن الرئيس صالح طوال العقود الثلاثة الماضية، وسيلة لبقاء حكمه، باللعب بكافة الأوراق، القبلية والإقليمية، وحتى الدينية. فقد سبق أن تحالف مع الجماعات السلفية، وقرب زعماء قبائل أقوياء مثل الشيخ عبدالله الأحمر زعيم قبيلة حاشد، في نفس الوقت الذي استثمر طموحات قادة الجيش، ورجال الأعمال. ويتهم الحراك الشبابي وكذلك المعارضة بأن نظام صالح بالفساد والمحاباة والمحسوبيات. وشجعت الإطاحة بنظام الرئيس التونسي زين العابدين بن علي ونظام الرئيس حسني مبارك في مصر، اليمنيين على المضي قدماً في تكثيف الاحتجاجات والصمود لإسقاط نظام صالح، على الرغم من الأخير يحظى بولاء موظفي الدولة الكبار، وبعض القبائل اليمنية، وفرق القوات المسلحة التي يقود أهمها أقاربه. ولعبت مواقع التواصل الاجتماعي في شبكة الانترنت في دور مهم في التواصل بين الشباب اليمني، وإيصالهم أصواتهم إلى الخارج. وعلى غرار ما حدث في مصر، وفي سوريا، بدأت المطالب بإصلاحات مدنية وتشريعية، ولكن حينما صعد الرئيس صالح من تحديه للمحتجين، خاصة خطاباته الشهيرة، بأنه قد«فاتكم القطار» وأدلى بخطابات واحاديث تلفزيونية يؤكد أنه يحظى بأغلبية شعبية، ودعا المعارضة إلى الاحتكام إلى صناديق الاقتراع. ولكن خصومه يعتقدون أن أي انتخابات تجرى في ظل هيمنة النظام لن تتمتع بنزاهة كافية. ويرى الرئيس والموالون له أن أحزاب المعارضة نشطت في تأجيج ثورة الشباب، وبالتالي كانوا يشككون بأن الثورة شعبية خالصة، ويتهمون المعارضة بإثارة الاضطرابات. وواجه الرئيس حلفاً للمعارضة، على الرغم من اختلاف أعضائه، إلا أنهم يسعون جميعا إلى إسقاط صالح، مثل تجمع الاحزاب الجنوبية، وتجمع اللقاء المشترك الذي ضم سبعة أحزاب معارضة رئيسة هي: التجمع اليمني للإصلاح، والحزب الاشتراكي اليمني, والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، وحزب البعث العربي الاشتراكي, والتجمع السبتمبري, واتحاد القوى الشعبية اليمنية, وحزب الحق. وبدأ التجمع في سبتمبر الماضي حملة لإسقاط الرئيس. مناورات الرئيس استطاع الرئيس صالح تأخير سقوط نظامه، ومارس مناورات على كل الجبهات، ففي البداية قدم تنازلات للمعارضة أمام البرلمان في جلسة استثنائية عقدها مجلسا الشعب والشورى قبيل انطلاق تظاهرة كبيرة في صنعاء أطلق عليها «تظاهرة يوم الغضب». وقال في الكلمة التي ألقاها: «لا للتمديد، لا للتوريث، ولا لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء»، داعياً المعارضة إلى العودة للحوار والمشاركة في حكومة وحدة وطنية. وأعلن الرئيس اليمني أنه لن يسعى لفترة ولاية جديدة بعد انتهاء ولايته الحالية عام 2013. وتعهد بإجراء إصلاح سياسي وإداري وخطط تنموية ومحاربة الفقر. ولكن الاوضاع تصاعدت في اليمن، مما دعا مجلس التعاون الخليجي إلى تقديم مبادرة لإنهاء الأزمة السياسية في اليمن، وتقضي المبادرة بتخلي الرئيس صالح عن السلطة وتسليمها إلى نائبه مع ضمانات محددة. ولكن الرئيس اليمني رفض التوقيع على المبادرة في إبريل الماضي. وطالب بأن توقع في القصر الجمهوري. وأعذار أخرى. وتطلب أن يزور الأمين العام لمجلس التعاون صنعاء مرتين بعد ذلك. محاولة اغتيال صالح فيما كان الرئيس يدير مناوراته مع خصومه ومواليه، تعرض لمحاولة اغتيال خطيرة في يوم 3 يونيو الماضي، حيث استهدف بتفجير في جامع بعد أدائه صلاة الجمعة، واصيب بجروح بالغة، وقتل في الحادث 11 من كبار المسئولين اليمنيين، وأصيب 124 شخصاً بينهم رئيس الوزراء علي محمد مجور ورئيس مجلس النواب عبدالعزيز عبدالغني. وقيل إن المفجرات زرعت في الجامع، بينما قيل إن التفجير أحدثه صاروخ أطلق من الخارج. واضطر الرئيس إلى مغادرة صنعاء إلى الرياض لللعلاج. ولكنه، بعد تعافيه عاد إلى صنعاء فجأة، في 23 سبتمبر الماضي. وبدأت المرحلة الأخرى من المحادثات لإقناعه بقبول المبادرة الخليجية، التي وقعها مساء أمس الأول برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز. بداية المخاض بعد أن وقع الرئيس اليمني على تسليم سلطاته إلى نائبه، فإن المنافسات السياسية في اليمن سوف تنتقل إلى مرحلة جديدة أخرى بعد أن زالت أهم العقبات الكأداء، وهو الرئيس صالح الخصم المشترك للمعارضة والإصلاحيين والجنوبيين والخط الديني. وسوف تبدأ مرحلة جديدة هي محاولات الهيمنة على السلطة، مثلما يحدث في مصر حالياً، بشتى الأساليب، وكل يطرح نفسه بطلاً لإسقاط النظام ويحاول الظهور أملاً في جذب الشارع في الانتخابات القادمة. كما أن الجنوبيين سوف يجدون أنفسهم في موقع مؤثر لترجيح المنافسات. الرئيس صالح يستلم وثيقة الاتفاقية للتوقيع عليها