اشعر بالحرج والألم الوجداني حين تصطف علي تلك الرسائل والمناشدات لنقل مآسٍ هنا وهناك لأبناء وبنات الوطن وليس ذلك تضايقاً من التجاوب معهم كما أكتب اليوم مجدداً، لكنه الشعور بالإحباط كيف يصل الأمر بهذه النخبة من الأخوات اللائي يصطففن في موقع الفيس بوك – الخريجات العاطلات من حملة البكالوريوس – إلى مناشدتي وأنا فقط احد هذه الأقلام التي تحاول حمل حُلم السعوديين والسعوديات في العيش الكريم، أتحرّج من مراهنتهن ورسائلهن للجهد المتواضع الذي نمنحه لهن وأتألم من استمرار هذه المأساة وانقل هنا للقارئ الكريم مقطعاً من إحدى رسائل الأخوات لبريدي تتحدث عما أحاط بهن من مصير قاسٍ وقد كُنّ في قمة التطلع والحماس وتجاوز الصعاب في مرحلة التعليم لخدمة الراية الخضراء لتحتضنهن ويحتضنّها قبل أن تَعلق حياتهن بالدوران مع الملف العلاقي الأخضر يَطُفن بكل وزارة ومنشأة لأجل عمل كريم فيُعدن لا بالراية بل بالملف المبلل بالدمع، تقول الأخت في رسالتها: نعم كانت هذه المكافأة لنا.. حُرمنا من ابسط حقوقنا وأُجهضت أحلامنا وساءت أحوالنا لكننا من اجل طموحنا وعِشقنا للتعلم والعمل لم نجعل لليأس مجالاً في حياتنا فذهبنا من وزارة إلى أخرى ومن إدارة إلى أخرى، وبعثنا برقيات، وعرضنا وثيقة تخرّجنا على كل مسئول لكن لا حياة لمن تنادي.. نحاول أن نتقدّم بخطواتنا لكن معاناتنا أثقلت كاهلنا.. ومرت منا من هي المسؤولة عن أسرتها الفقيرة ومنا مَن حصلت على تقدير امتياز ومرتبة الشرف وتحطمت نفسياً ومعنوياً من دون وظيفة، ومنا من خطفها الموت.. ولم تحقق حلم الوظيفة، ولكن كلنا مجتمعات في نقطة واحدة وهي كفاحنا واجتهادنا طيلة تلك السنوات من أجل إثبات ذاتنا.. إثبات قدراتنا العلمية وتطبيقها عملياً لتخريج جيل متكامل يعتز به وطننا الغالي.السنون.. فمنا من تخرّجت منذ 7 سنوات الى 15 سنة وأكثر، ولم تجد اي وظيفة..! السنون تمضي والعمر يمضي معها ونحن ننتظر الفرج! فمنا من هي مسئولة عن أسرتها الفقيرة ومنا من حصلت على تقدير امتياز ومرتبة الشرف وتحطمت نفسياً ومعنوياً من دون وظيفة، ومنا من خطفها الموت.. ولم تحقق حلم الوظيفة، ولكن كلنا مجتمعات في نقطة واحدة وهي كفاحنا واجتهادنا طيلة تلك السنوات من أجل إثبات ذاتنا، وإثبات قدراتنا العلمية وتطبيقها عملياً لتخريج جيل متكامل يعتز به وطننا الغالي ونعتز به أمام أنفسنا..». انتهى نص رسالة إحد الأخوات وردتني ضمن رسائل أخرى. وهنا ونحن نعرض لهذه القضية الوطنية المهمة نقف أمام عدة مسارات ذات تأثير على حياة الفرد والاستقرار الاجتماعي للوطن وهي مقوّمات رئيسية لأي معالجة وطنية تهدف إلى خلق استقرار مجتمعي شامل: الاوّل أنّ معالجة البطالة وسقف الدخل المعيشي هي الأساس لمواجهة ملف الفقر بكل أصنافه وهي قضية متفاقمة تمتد في المناطق الحدودية حتى داخل المدن الكبيرة الرئيسية وعُرضت ووثّقت في الإعلام الجديد بما يجعلها قضية يقينية ضمن الملفات الوطنية المطلوب معالجتها فورياً كالإسكان.. وهي هنا مطروحة كسقف معيشي ووظيفة مجزية للجنسين.. وأستحضر هنا كلمة سمعتها للعلامة الراحل الشيخ محمد بن عثيمين «رحمه الله» وكم فيها من الفقه والوعي والمسئولية، يقول فيها الشيخ معلقاً على حاجة الخريجات للوظيفة: ولا يُقال إنهن غير محتجات فهذا غير صحيح وللنّاس ظروف وأحوال من الحاجة والعوز إنما فليُوجَد لهنّ عمل ولو كدوام نصفي في المدارس – نقلت فكرتُه «رحمه الله» بالمعنى. وهنا نؤكد على حقيقة يُدركها كل متأمل بأن وظيفة المرأة كشريكة حياة أو أم أو أخت بعد هذا الارتفاع الجنوني للتكاليف أضحت ضرورة ماسّة لكثير من المنازل وجزء رئيس من مقوّمات الاستقرار الاجتماعي، والضرورة الوطنية للمعالجة يجب أن تنطلق في تحقيق هذا المسار ببرنامج متكامل يعرض الوظائف المستحقة للمرأة خاصة أولويات الخريجات السابقات اللائي كابدنَ عصر البطالة في دورات مختلفة، وذلك من خلال برنامج مجزئ ومتوازن وليس إغراء أي قطاع بملء قطاعه من الفتيات والنساء المضطرات عبر وظائف غير مناسبة أو لأهداف ابتزازية أو دخل محدود تُستنزف فيه المرأة بلا جدوى مالية مجزية لها ولأسرتها. إدارة القوى البشرية قوة اقتصادية كما أنّ هناك أزمة اكتظاظ في بعض المناطق التعليمية خلقتها المحسوبية أو أي ظرف آخر في مقابل انعدام أي وظيفة مُجزية لأختها المستحقة ذلك، فهذه القضية تُعالَج عبر إعادة تدوير أو تقاعد مبكّر لا أن تكون الضحية هي الخريجة المعطلة لعشر سنوات أو أكثر، والجانب الثاني المهم أن هناك مجالاً لإنشاء مؤسسات نفع عام مجدية اقتصادياً عبر مشاريع متعددة تستوعب كثيراً من النساء في صورة مكبّرة عن مشاريع الجمعيات الخيرية للأسر المنتجة تمارس المرأة وظيفتها بين العمل والهندسة والإشراف داخل مجمعات غير مختلطة وهذه نماذج موجودة في شرق آسيا ومهمتنا ضبط الدوام وحركة العمل بما يناسب استقرار الأسرة السعودية وكذلك تنقل الموظفات. إن الجميع يدرك حجم وأهلية المرأة السعودية وقدرتها وإبداعها، وبالتالي انعكاس ذلك على مستوى الإنتاج القومي في ذات الوقت الذي تحقق فيه الأسرة دخلاً مريحاً فينطلق كِلا البناءين لتوازن مريح واستثماري سواءً في المشاريع الإنتاجية أو الرعوية للمجتمع على سبيل المثال: مراكز رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة أو المعوّقين أو المتابعات الاجتماعية المختلفة أو مراكز تُنشأ لتلقي ورعاية الحالات الصحية الفقيرة والإصلاح الاجتماعي وغير ذلك بمعنى إعادة توزيع المسئولية البيروقراطية في مراكز الوزارات إلى مهام تنفيذية في المدن والأحياء تديرها المرأة مع القسم الرجالي المجاور للتواصل العام، وهناك مجال للإبداع في هذه الخيارات، ومن الضروري في ختام هذه المقالة أن نُذكّر بالأولوية الشرعية والوطنية للخريجات القدامى واستدعائهن لشغل وظائف كريمة مجزية.. وهنّ الآن وقد حاصرهنّ الإحباط لا يزلن ينتظرن قرار المليك لإسقاط الملف الأخضر واحتضانهن بالعلم الأخضر.