علق مجلس الذهب العالمي الأسبوع الماضي نشاطه في المملكة بسبب اكتشافه ان صناعة الذهب السعودية رغم ضخامة سوقها ومخزونها من الذهب إلا ان آلية العمل فيها من الناحية التصنيعية والتسويقية تنطوي على العديد من المخالفات والعيوب التي لا تتفق مع معايير التصنيع العالمية المعمول بها في قطاع صناعة الذهب والمجوهرات. اذ تتمثل أبرز المخالفات بما أطلق عليه مهنياً مخالفات "نظم الانتاج" حيث اكتشف المجلس ان مصنعي الذهب في المملكة يقومون بإضافة مادة "الزيركون" وهي مادة زجاجية إلى المشغولات الذهبية إلى جانب عدم اتباع الممارسات العالمية في وزن المشغولات الذهبية عند البيع مما يشير بقوة إلى عمليات غش وتلاعب بأسعار الذهب في سوقنا المحلية. لقد تابعت بشكل غير تفصيلي خبر تعليق مجلس الذهب العالمي نشاطه في المملكة ولكن استوقفتني نقطة واحدة وهي مطالبة المجلس المصنعين السعوديين بتغييرات جذرية في آلية التصنيع والوزن واتباع الطرق المهنية في عملية توزيع وبيع المشغولات الذهبية. شعرت ان المجلس العالمي للذهب حريص على استعادة المواطن او المستهلك في المملكة حقوقه فيما يتعلق بما يقوم به من عمليات بيع وشراء من المشغولات الذهبية حسبما ما هو متعارف عليه عالمياً. بالطبع هذه المطالبة لن يتم تحقيقها من قبل كبار المصنعين وتجار الذهب لانها تقتص من ارباحهم المتحصلة بطرق غير سليمة حسب افادة المجلس وغفلة اللجنة الوطنية للذهب ووزارة التجارة وهيئة حماية المستهلك وكافة الجهات الحكومية المعنية بصناعة الذهب والمشغولات وتجارته. لقد تكرر كثيراً إشارة المستثمرين السعوديين في تجارة وصناعة الذهب مقولة أن ثقافية المستهلك في المملكة تحبذ اضافة الزيركون إلى المشغولات الذهبية، كما ان قطاع بيع المصوغات بالتجزئة التي تبلغ نحو6 آلاف متجر تقع ايضاً ضمن ثقافة التسوق السعودية فيما يختص بالذهب والتي لا تماثل الثقافة التسويقية الغربية على سبيل المثال، لذا فهو شأن ثقافي اجتماعي ! وهنا لي تساؤل واعتراض وخيبة أمل موجهة لهؤلاء التجار ! هل الممارسة الثقافية للمستهلك تعفي التاجر والمصنع والمستثمر من انصاف المستهلك وضمان كافة حقوقه ؟ أين المسؤولية الاجتماعية واخلاقيات العمل والنزاهة وطرق الكسب الحلال التي نتغنى بها كل صباح ومساء. ومن الأمور المستغربة هو صمت وزارة التجارة صمت القبور عن خبر التعليق واكتشاف الممارسات الخاطئة في هذه الصناعة ! وكأن هذا الأمر لا يعنيها البتة ! نعلم ان اقتصادنا مفتوح وقائم على العرض والطلب كما يردد على مسامعنا طوال الوقت عند التهرب من مواجهة قضية ما، لكن هذا لا يعني ترك الحبل على الغارب للمستثمرين والتجار استغلال المستهلك بالتلاعب بمصنعية المشغولات الذهبية وعدم الدقة في وزن المصوغات لأن الضحية هو المواطن والمواطنة والمستهلكون عموماً الذين لا يعنيهم في هذا الأمر إلا شراء قطعة ذهب يفرح بها بمناسبة زواج أو ولادة أو أية مناسبة فرحية أو اجتماعية أخرى. حفظ حقوق المستهلك لن يتأتى طواعية من قبل التجار والمستثمرين الذين أفصحوا أنهم عقدوا اجتماعات متعددة مع الرئيس التنفيذي لمجلس الذهب العالمي في جدة أرام شيشمانيان، اضافة إلى اجتماعات سرية في نيويورك وفي كندا مع مسؤولين كبار في إدارة مجلس الذهب العالمي، للاعتراض على القرار. بعض الأخبار المحلية عنونت هذا الخبر الاقتصادي بإيحاءات سياسية بحتة وهي أن رئيس المجلس بريطاني من أصل إيراني لذا أتى قرار تعليق عمل المجلس في المملكة من منطلقات شخصية ومخالفة للوعود التي تم الاتفاق عليها ! مسوغات التعليق لا تتطلب فهما عميقا في صناعة الذهب، وانما ذلك يأتي في سياق محاولة التجار استدرار عطف ومساندة الشارع لمواصلة استغفالهم للمستهلك أطول فترة ممكنة ! [email protected]