قامة أحسائية شاهقة، ونخلة هجرية سامقة، وعلم من أعلام الشعر والأدب في الأحساء.. مارس تعليم الرياضيات بحكم المهنة نتيجة التخصص، ومارس تعليم الشعر واللغة العربية بحكم الهواية نتيجة العشق للكلمة الشاعرة، وفي الحالتين كان معلماً ألمعياً.. ذا بصيرة نافذة في كل الفنون التعليمية والأدبية واللغوية والإعلامية التي مارسها باقتدار، ويقول عنه السفير الشيخ أحمد بن علي آل الشيخ مبارك «رحمه الله»: (كنت دائماً أتحدث في مجالسي التي ألتقي فيها بالأحباب من الأصحاب بأن الاستاذ مبارك بوبشيت من الذين منحهم الله الأدب في علمه وطبعه، فهو أديب ذو خبرة ودراسة للأدب، اكتسبها من رغبة صادقة في التزوُّد من معينه، ومعاشرته أصدقاءه تدلُّ على أدبٍ كريمٍ في طبعه). ولم يمنعه تقاعده من العمل الرسمي، من مواصلة العطاء الثقافي عن طريق الصحافة والإذاعة.. في الصحافة مارس النقد الاجتماعي والأدبي، حين عالج في كتاباته الكثير من قضايا المجتمع وهمومه، كما قدَّم عدداً من شعراء الأحساء الشباب إلى القراء من خلال زاوية كان يكتبها في جريدة «اليوم» بعنوان: (شاعر من الأحساء) زفّ إلى الساحة الإبداعية من على منبرها أكثر من خمسة وعشرين شاعراً كان له فضل اكتشاف مواهبهم، وبعضهم لم يكن يملك الشجاعة على اقتحام ميدان الشعر لولا هذا التشجيع والمساندة، والحث على النشر والممارسة الشعرية المستمرة. وهو في هذا المجال ناقدٌ أدبي لا يعرف القسوة على تلاميذه، لكنه لا يتجاوز عثراتهم حتى تستقيم خُطاهم، وتتضح نزعته النقدية فيما قدَّم أيضاً من برامج إذاعية من إذاعة الرياض ففي النقد الأدبي قدَّم: «مواهب على الطريق» و»قصة وصدى» و»كلمات ومدلولات» و»فضاءات الكلمة» وفي النقد الاجتماعي قدَّم: «يوميات صائم» و»ملامح رمضانية» و»أبو بدر في رمضان». وعلاقته بالإذاعة لم تقتصر على تقديم البرامج الإذاعية، بل امتدت إلى تعليم المذيعين الجُدد علم اللغة وفن الإلقاء، من خلال دورات تدريبية مكثفة ما زال يكلف بها بين آونة وأخرى، ويقول الأديب عبدالرحمن بن عثمان الملا عن علاقته بالإذاعة: (أديب في أخلاقه وأديب فيما يتناوله من موضوعات، تلمّس ذلك في غزارة العلم، وسعة المعرفة، وتنوُّع الثقافة التي يتمتع بها، ثم هو بعد ذلك إذاعي من الطراز القدير، الذي يشدُّك إليه بصوته الهادئ الرزين، وعنايته الفائقة في انتقاء موضوعاته، واختيار مفرداته، وسكبها في قلائد وعقود لآلئها المعلومات القيمة، والطرائف اللطيفة). هو في هذا المجال ناقدٌ أدبي لا يعرف القسوة على تلاميذه، لكنه لا يتجاوز عثراتهم حتى تستقيم خُطاهم، وتتضح نزعته النقدية فيما قدّم أيضاً من برامج إذاعية من إذاعة الرياض، ففي النقد الأدبي قدم: «مواهب على الطريق» و»قصة وصدى» و»كلمات ومدلولات» و»فضاءات الكلمة». واستمرت علاقته بالصحافة من خلال زاويته الأسبوعية في جريدة «اليوم»، ونشر قصائده في بعض المجلات الثقافية، ورغم جودة شعره.. لم يقدّم للساحة الإبداعية سوى ديوان واحد هو «الحب إيمان» وقعه باسم نديم الليل، وهو اسم مستعار كان يوقّع به قصائده في بداياته الشعرية الأولى، وله العديد من الاخوانيات مع زملائه الشعراء، وقد تعمّق في موضوعات الشعر المختلفة، وحلق في آفاقه البعيدة ليقدِّم لقرائه شعراً جميلاً ورائعاً بجمال نفسه وروعة روحه، وهو من الذين تأنس لهم حالما تراهم، وكأنك تعرفه منذ سنين طوال، يعجبك حُسن حديثه، وسعة علمه في شؤون اللغة والأدب، ولديه من القصائد ما يُشكِّل أكثر من ديوان، رغم أنه مُقلٌّ في كتابة الشعر، ومُقلٌّ أكثر في نشره، وتحضر في شعره القصيدة العربية الأصيلة، بشموخها وإصرارها على محسِّناتها البلاغية، في زمن تدنَّت فيه القصيدة العربية بعد أن أفسدتها محاولات العابثين بالشعر، والعاجزين عن الإتيان بما يطرب عند سماعه، فظلت قصيدته بعيدة عن النظم والمباشرة النثرية، وهما من عوامل فساد الشعر قديمه وجديده، عندما يفقد موسيقاه الداخلية، وإيحاءاته الوجدانية، وهو لم يجاف قصيدة التفعيلة، فله تجارب ناضجة في هذا المجال، ويقول الدكتور خالد بن سعود الحليبي عنه: (شاعر صدق مع نفسه، فأخرج ما يحسُّ به دون أن يعبأ بنظرة ناقدة، أو عين حاقدة، أو رؤية سائدة، تحاول أن تخرجه من طبيعته التي فطر عليها، أو تجبره على التعبير عما لا يحسُّ به). في غزله الجميل بوح شفيف، ولفظ عفيف، ولغة رقيقة صافية الأديم، لا يحجب صورها وإيحاءاتها وانسيابيتها ما يمكن أن يشوب سماء الشعر من غيوم الأخطاء العروضية أو اللغوية. وشاعرنا من مواليد بلدة الطرف بالأحساء صدر له إلى جانب ديوانه «الحب إيمان»، كتاب «الغزو الثقافي للأمة العربية: ماضيه وحاضره» وهو بحث حصل على جائزة نادي أبها الأدبي، وقد كتبه بعد أن راى أوضاع الأمة تتردَّى بسبب ما تتعرَّض له من غزو ثقافي متواصل، وهو يعبّر عن ذلك بقوله: (إن الغزو الفكري الثقافي هو ما تعيشه الأمة اليوم، وسلاح هذا الغزو هو الفكرة، والكلمة والرأي، والحيلة والنظريات والشبهات، وخلابة المنطق، وبراعة العرض وشدة الجدل، ولدادة الخصومة، وتحريف الكلم عن مواضعه، وغير ذلك، مما يقوم مقام البندقية والصاروخ في أيدي الجنود). وهذه إحدى المؤامرات الخفية والمعلنة التي يخطط لها وينفِّذها أعداء الأمة، وربما شارك في تنفيذها بعض أبناء الأمة بقصد أو دون قصد، والنتيجة هي هذه الفرقة وهذا الشتات الذي يسود واقع هذه الأمة، ويا له من واقع مرير.. مكَّن أعداءها من العبث بمكتسباتها الحضارية، وإنجازاتها التنموية. وله كتب أخرى مخطوطة منها: «قيثارة الحزن في شعر الأحساء» عن الشاعر الراحل يوسف بوسعد. وقد تم تكريمه في «الطرف» مساء يوم الخميس 9/3/2006 في حفل كبير تبارى فيه تلاميذه وأصدقاؤه وزملاؤه في ذكر جوانب مضيئة من حياته العملية والعلمية، ومن حسن حظي أن شاركت في هذا العُرس الثقافي الذي عاشته واحة الأحساء في ليلة من أجمل لياليها. مبارك إبراهيم بوبشيت شاعر لم ينصفه النقد، رغم كل ما قدَّمه للشعر والنقد، من دُرر القصائد، وقلائد الأدب، ربما لإصراره على الانتصار للحب والصدق والجمال دون مجاملة أو رغبة في البحث عن الأضواء التي تستهوي الكثيرين، لكن ليس مبارك إبراهيم بوبشيت الذي نقول له. وأنتَ الشاعرُ الأبْهى قصيداً فهل تَرضى عن الشِّعْرِ احتجابا؟ إذا لَجَأَ الشداةُ إليكَ يَوماً مَنَحْتَ ضَعيفَهُمْ نُصْحاً فثابا تُقَوِّمُ في الخُطى كُلَّ اعْوجاج وتُطْرِبُ من قصائدِكَ الصِّحابا وأنتَ الشعرَ تمنَحُهُ مَذاقاً فيصبحُ في الهَوَى عَسَلاً مُذابا