يكثر الحديث بين فترة وأخرى وبخاصة هذه الأيام مع تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية حول ماهية العلاقة بين الاقتصاد المالي متمثلا في أسواق المال والاقتصاد الحقيقي، وأيهما يمكن أن يؤثر في الآخر ، وكذلك هل يمكن استقراء أداء الاقتصاد بمؤشرات أداء أسواق المال؟!! الواقع أن العلاقة بين الاقتصاد المالي والاقتصاد الحقيقي يمكن تحديدها حسب طبيعة ومعطيات الأنظمة المالية والاقتصادية لكل دولة، حيث يعرف الاقتصاد الحقيقي أو العيني بأنه علم الندرة وعلم توزيع الثروة من خلال تحديد السلع والخدمات التى يتم إنتاجها وكيفية توزيع الإنتاج من أجل إشباع الحاجات بطريقة مباشرة من خلال السلع الاستهلاكية أو بطريقة غير مباشرة من خلال السلع الاستثمارية. ويمثل الاقتصاد الحقيقي الثروة الحقيقية للشعوب والأمم ويعد مقياسا هاما لتقدمها. ويتمثل الاقتصاد الحقيقي في الغالب في الأنشطة الإنتاجية للسلع والخدامات والأنشطة التجارية كالاستيراد والتصدير ، وكذلك الأنشطة الاستثمارية والصناعية وغيرها، في حين يطلق على أسواق المال والبورصات الاقتصاد المالي أو الاقتصاد الوهمي!!. تعتبر أسواق المال إحدى الأدوات المهمة في القطاع المالي الذي يمثل العمود الفقري لعملية التنمية الاقتصادية المستدامة. إن أدبيات النظرية الاقتصادية والدراسات التطبيقية تشير إلى أن العلاقة بين أسواق المال والاقتصاد الحقيقي هي علاقة تبادلية ذات اتجاهين ( مؤثر ومتأثر )، من خلال أدوات مالية واقتصادية، كأدوات السياسة المالية والنقدية، ومعدل التضخم، ومعدل أسعار الفائدة، وأسعار الصرف، ومعدلات الناتج المحلي الإجمالي. ومن المتعارف عليه في أبجديات الاقتصاد بشكل عام أن تطور ونمو الاقتصاد المالي في دولة ما هو انعكاس ومراءة لاستقرار نمو وازدهار الاقتصاد الحقيقي. وفي أحيان أخرى يكون مواكبا للتحولات والدورات التي يمر بها الاقتصاد الحقيقي من نمو وازدهار أو انكماش وركود، في حين أن العديد من الدراسات التطبيقية تشير إلى أن الاقتصاد المالي متمثلا في السوق المالية يلعب في أغلب الأحوال دورا داعما وإيجابيا في عملية التنمية الاقتصادية، حيث تساهم أسواق المال في استقطاب المدخرات وتخصيص الموارد المالية والبشرية وتوزيع المخاطر والرقابة على أداء الشركات السماهمة وتحسين أداء السوق المالي ونوعية الخدمات المالية المقدمة، وعليه فانه يمكن القول: إن أسواق المال تساعد في دفع عملية النمو الاقتصادي الحقيقي، إلا أن اتصاف اقتصاد المملكة بخاصتين هامتين قد يجعلان منه استثناء من هذه القاعدة، الخاصية الأولى : أن الاقتصاد المالي للمملكة متمثلا في السوق المالية يعد اقتصادا ناشئا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، حيث لم يبلغ بعد درجات التطور والنضوج، بالإضافة إلى أن السوق المالية تعاني عيوبا وتشوهات هيكلية كثيرة التي قد لا يتسع المقام هنا لذكرها، التي منها أن أكثر من 80 بالمائة من المحافظ الاستثمارية في سوق الأسهم السعودية تعود ملكيتها إلى أفراد يتحكمون في اتجاه السوق بشكل مباشر ليس بناء على المراكز المالية للشركات، بل بناء على مراكزهم المالية. [email protected]