لم يوحّد قادة مجموعة الدول العشرين رؤيتهم الاقتصادية المستقبلية بعد، وكانوا وعدوا بإجراءات خلال اجتماعاتهم على مستوى القمة. ولم تتبلور لدى الخبراء أيضاً خطوطٌ لمستقبل اقتصادي جديد. ففي مقابل إصلاحاتٍ يَضبطُ أشدها مؤسسات المال والمصارف وتؤكد ضرورة اتباع الشفافية في أسواق المال العالمية، يركّز المنتفعون من الاقتصاد السابق للأزمة، والمبني على الإسراف والإنفاق المفرط، جهودهم للاستمرار في الاعتماد على فقاعات ازدهار غير مستقرة ترتكز على الاستدانة وارتفاع أسعار الأصول. وفي حين يراهن رؤساء دول ومسؤولون سياسيون - يواجهون جفاءً من القاعدة الشعبية لاعتمادهم إجراءات قاسية تطالُ رزق المواطنين - على معدلات نموٍ إيجابية تمنحهم تأييداً في إصلاحاتهم، وتكسبهم وداً مفقوداً، يشوبُ الرهانَ تناقضٌ بين تلك المعدلات الإيجابية ونمو معدلات البطالة السلبية وهي في مستوى 10 في المئة على ضفتي الأطلسي. ويبلغ التناقض أوجه لدى تحليل الإحصاءات حول مؤشرات العمل والتضخم والنمو. إذ في غالب الأحيان يعزى النمو إلى نشاطاتٍ اقتصادية غير واقعية. فارتفاع أسعار النفط التي تضخم عمليات النقد خلال فترة زمنية محددة بفصلٍ من السنة، لا تؤشر إلى نمو، ومثلها أسعار سلعٍ أخرى، أو مبيع سيارات وضعت لها إجراءات محفّزة. فالنمو يجب أن يتناول إلى حدٍ كبير مستويات العيش لدى الأسر والأفراد. وهذا لا يتأمن في ظل توسع البطالة مهما ارتفعت معدلات النمو. إذ قد يؤدي الاستغناء عن وظائف لدى مؤسسات إلى إنعاش ماليتها ما يحقق لها أرباحاً على حساب من فقد عمله لديها. لذا يدعو اقتصاديون إلى الاستفادة من الأزمة والتطلع نحو آفاق اقتصادية جديدة. ففي كل أزمة كما يقول الاقتصادي جوزيف شومبيوتر «تهديم بنّاء»، بحيث تختفي بنية اقتصادية تخطاها الزمن وتستبدل بنية حديثة بها أكثر ملاءمةً للأوضاع المستجدة. ويمكن للتهديم البنّاء أن يعدّل في المفاهيم. ويعني الاقتصاديون هنا مفهوم «الناتج المحلي القائم»، وهو مؤشر يقيس الثروات التي ينتجها مواطنو البلد خلال فترة زمنية محدّدة. ويعيبُ هؤلاء على مؤشر «الناتج» بأنه غير دقيق ولا يعكسُ صحة الاقتصاد. وتتعدّد العيوب المسمّاة لكنّ أهمها أن مؤشر الناتج المحلي يغفل قسماً كبيراً من اقتصاد البلد ولا يحتسبها ( منها التبرعات المالية أو الأعمال المجانية... )، في حين يستفاد منها على مستوى العيش والوجود الاقتصادي. كما لا يأخذ في الاعتبار أيضاً الموارد الطبيعية التي يستفيد المستهلكون منها مباشرة وخارج السوق التقليدية (منها أشعة الشمس لتجفيف الثياب بدلا من تجفيفها في آلاتٍ خاصة). تشير «نيويورك تايمز» (أيلول 2009) إلى أن الاقتصادي الأميركي سيمون كوزنيتس سجّل (بعد الأزمة الاقتصادية نهاية عشرينات القرن الماضي) عام 1934 في التقرير الأول عن الدخل الوطني المقدم إلى «الملتقى الاقتصادي»، أن «ثروات بلدٍ ما يمكن أن تُستخرج بصعوبة من قياس دخلها الوطني»، واضعاً بذلك الأسس الأولى للتمييز بين الثروة الوطنية ومؤشر الناتج المحلي. ويبني البروفوسور الأميركي إيريك زينسي أيضاً «مقولته حول الناتج على هذا الأساس. يقول: «نحن في قعر هوّةٍ اقتصادية ونحاول جاهدين الخروج منها، لكن لا يمكننا تحقيقه باحتساب كميات الأموال التي نحتاجُ إليها وتمر عبر أيدينا في كل فصل من السنة . يجب وضع حدٍّ للأزمة الاقتصادية والانتهاء من الاقتصاد الذي ولد في عصر كان النفط فيه فائضاً وبسعر مقبول، اقتصاد كان يهزأ من الطبيعة ويعتقد بفضائل تحقيق المزيد من الأرباح». ويتابع: «نحن في حاجة إلى مؤشر يقول لنا حقيقةً إذا كنا نتقدم في صراعنا المستمر لتحسين ظروفنا المادية لوجودنا». ووفقاً لرغبة التخلّص من انعكاس مؤشر الناتج المحلي على الاقتصاد والناس، تبحث الحكومة البريطانية عن اقتصاد عام ومستقر، يستغني عن النمو الاقتصادي لمصلحة الاستدامة الاقتصادية (الحد من ساعات العمل ومن ساعات الإعلانات التلفزيونية). بهدف الحد من الاستهلاك. وفي فرنسا حيث كان الرئيس نيكولا سساركوزي من دعاة العمل بجهد أكبر وجني مزيدٍ من الأموال، عاد وأيد تقريراً أعده خبراء يصف السعي وراء ناتج محلي بأنه «هوس»، ويدعو إلى الاستعاضة عن إحصاء الناتج المحلي بمقياس أكثر شمولية. وترى «نيوزيوك» في آخر عدد لها (آذار - مارس)، أن علماء الاقتصاد أول من يعترف بكون الناتج المحلي مجرد دلالة على الازدهار وليس هدفاً. فالنمو الاقتصادي ليس المعيار الأهم. هو لا يقيس قيمة علاقاتنا ومجتمعاتنا وثقافتنا، ولا يقيس الرابط بين الازدهار ونوعية الحياة. وعلى رغم ذلك يدعو مقالٌ في المجلة الأميركية، إلى الحفاظ على مؤشر الناتج، حتى لو كان الاقتصاديون محقين لناحية صعوبة تحقيق نمو بعد الأزمة. ويعتبره « سبباً إضافياً لتكريس طاقاتنا من أجل التوصل إلى السياسات الصحيحة – بدءاً من التعليم والإبداع وصولاً إلى حس المبادرة والتنافس – التي ستساعد على تعزيزه».