لم يكن مستغربا أبدا هذا الشعور الوطني العام والجارف الذي لفَّ البلاد طولا وعرضا. ولم يكن مستغربا أن يشعر أبناء هذا البلد بألم كبير، وجرح عميق، عندما سمعوا خبر وفاة سيدي سمو ولي العهد الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود، غفر الله له ورحمه بإذنه ومشيئته وأسكنه فسيح جناته، وأنزله منازل الصِدّيقين والأبرار والشهداء. لم يكن مستغربا ذلك الشعور الحزين الذي ساد كافة فئات المجتمع السعودي، وأطيافه وشرائحه الاجتماعية، تعبيرا عما يكنه هذا الوطن للراحل الكبير، الذي أحبوه بقدر ما أحب الجميع، وبقدر ما أحبّ وطنه وأبناء هذا الوطن. لقد كان سموه يعيش للناس، وفي خدمتهم، كما كان يسهر على حماية الوطن وتطوير قدراته، وتأمين حدوده، من خلال إعداد قواتنا، بشرا وعتادا، لتكون درعا يصد، وسيفا يضرب إذا ما فكّر الأعداء في سوء. أحب الأمير سلطان الفقراء والمحتاجين، وكان حريصا على أن يذهب إليهم، يسأل عنهم، ويتفقد أحوالهم، فعاش وسوف يعيش إن شاء الله دائما في قلوبهم، كما كانوا هم يعيشون في قلبه الذي اتسع للجميع. لكن سر العلاقة التاريخية التي ربطت بين الأمير سلطان بن عبدالعزيز وأبناء هذا الوطن الذين بكوه بكاء حارا، وأحسوا أنهم فقدوا فيه الصديق والأب والأخ الأكبر، يكمن في ذلك «التواصل» الذي نشأ بينه وبينهم. سر العلاقة التاريخية التي ربطت بين الأمير سلطان بن عبدالعزيز وأبناء هذا الوطن الذين بكوه بكاء حارا، وأحسوا أنهم فقدوا فيه الصديق والأب والأخ الأكبر، يكمن في ذلك «التواصل» الذي نشأ بينه وبينهم.يكمن سر هذه العلاقة في طبيعة هذه الشخصية الإنسانية البسيطة التي تتسم بالصدق والتواضع والتلقائية، وفي تلامسها الوجداني العميق مع أبناء الوطن، من كافة الفئات والشرائح الاجتماعية. كما يكمن في طبيعة هذه الشخصية التي ينطوي جوهرها على إدراك عميق لقيمة (الخير) وأهميته في حياة المجتمعات الإنسانية، وقد كانت شخصية الأمير سلطان تنفعل أكثر ما تنفعل لعمل الخير، ومن ثم كان أغلب اهتمامه يتمحور ويدور ويتفاعل مع (حب الخير). ولذلك لم يقف شيء عائقا أمام أي توجه «خيري» سعى إليه سلطان الخير، ذلك أن (حب الخير) في نفس الأمير سلطان كان طبيعة تغلب عنده ما عداها من طبع أو نازع إنساني، وهو الذي جعله ينظر إلى الإنفاق السخي على مشاريع الخير، باعتباره وسيلة للتقرب إلى الله، والحصول على رضاه، فكان سموه لا يتأخر عن إغاثة ملهوف استغاثه أو فزع إليه، وكذلك كان يهرع إلى علاج المريض، وكان يكفل اليتيم، ويعطي المحتاج، ويخف إلى الأسرة التي فقدت عائلها. كان الأمير سلطان رحمه الله وأضاء قبره بنور أعماله الصالحات «سحابة خير» تسح طوال الوقت، فلم ينقطع عطاؤها، ولم يقل ثمرها، كان مطرها يجود غزيرا، ونبعها يتدفق وفيرا. إنه سلطان الذي رضي له الناس جميعهم بلقب «سلطان الخير»، فكان الاسم واللقب قرينين لا يفترقان، معنى وعملا، قولا وسلوكا، وكان سموه أهلا للقب، كما كان اللقب جديرا بصاحبه، الذي لم تكف يده عن العطاء، إذ كان يعطي عطاء من لا يخاف الفقر، ويمنح منحة من لا ينتظر الشكر. ولقد أعطى سلطان بن عبدالعزيز وطنه، وأعطى أبناء هذا الوطن، وأعطى أمته العربية والإسلامية، من روحه وجسده وعقله وصحته وأعطى أبناء المجتمع السعودي في كافة المناطق بمختلف الشرائح والفئات الاجتماعية من ماله ووقته وعاطفته فاستحق «الحب» الذي منحوه، والذي تبدى يوم وفاته، في عاصفة الحزن والأسى التي اجتاحت البلاد، إحساسا بالمصاب الأليم لفقده وخسارته. وفي ذلك كله أعظم وأسمى معاني «التكريم»، يعلنها الوطن كله، رجالا ونساء، شيوخا وشبابا وأطفالا. فليكن هذا الحب، ولتكن دعوات الذين أحبوه برهانا صادقا بين يديه، ولعلها تجزيه عند الله سبحانه وتعالى، تشهد له بما قدم في دنياه، ابتغاء وجه ربه الأعلى، وطلبا لرضاه سبحانه ورحمته..