ما حدث في مصر يوم أمس الأول حادث خطير جداً، وأكبر من مجرد مطالب للطائفة القبطية، ولا يمكن وصفه إلا أنه محاولة للي ذراع مصر، خاصة أن الحديث عن إشعال الفتنة الطائفية في مصر ليس جديداً، وإنما تكرر على مدى العقود الماضية، تكراراً يثير المخاوف. وكانت الأبواق الموالية لإسرائيل، على وجه الخصوص. في أنحاء العالم هي التي تردد المظالم القبطية وتروج لحملة كره، لزرع الألغام حول قرار الدولة المصرية، بزرع الفوبيا القبطية والتخويف منها، وكأن الأقباط قد حلوا بمصر حديثاً، بينما أقباط مصر قد تعايشوا طويلاً مع المجتمع المصري المسلم على مدى 1400 عام، وحاولت القوى المناوئة لمصر تحريض الأقباط وإشعال الفتن، طوال هذه الحقب، لكن الأقباط كانوا، على مدى مئات السنين، أعصى من أن يثاروا وأقوى من أن يستجيبوا للمشائين بالفتنة، وأحصن من أن يكونوا صدى للمتاجرين باسمهم. ويبدو أن مثيري الفتنة، استغلوا حالة المخاض المصري، فوجدوا الوقت مناسباً لإشعال الفتنة، فاستجابت لهم شريحة من المتطرفين الأقباط الذين يسهل شحنهم واستغلال عواطفهم، فتم يوم الأحد اختطاف صريح للشارع القبطي لتنفيذ استعراض قوة واختبار لمدى قدرة الدولة المصرية على الرد، تحت ستار الاحتجاج على حادث في جنوب البلاد. والسيناريو الذي حدث لا يعبر عن حكمة، لأن الأقليات، عبر التاريخ البشري وفي كل مكان من الدنيا أمس واليوم وغداً، لا يمكنها لي ذراع الأكثريات الساحقة، وإرغامها بالقوة على تحقيق المطالب، لأن في ذلك عملاً متهوراً وتحريضياً للأغلبية على الدفاع عن كرامتها. وليس أمام الأقليات، إذا ما أرادت تحقيق مطالبها، إلا اللجوء إلى الطرق القانونية وحقوق المواطنة، فهي وحدها التي تضمن تحقيقاً لأية مطالب للأقليات. ومن هذا المنطلق تبدو اضطرابات يوم الأحد شذوذا عن الحكمة القبطية التي، على مدى تاريخ مصر الإسلامي، أوجدت للأقباط بالذات، احتراماً خاصاً ومكانة مميزة في أوساط المسلمين. وكانت هذه الحكمة القبطية تقضي بتحييد المتطرفين القبطيين، والمزايدين والمتاجرين باسم الأقباط، وكانت الكنيسة القبطية تتولى بحكمتها التاريخية، حل المشاكل الطارئة بيسر ومحبة وسلام. ولكن يبدو أن التيارات السياسية المتطرفة في الوسط القبطي قد تغلب تأثيرها على المشهد القبطي، بتأثير الدعايات من خارج الحدود والقنوات المحرضة، فهمشت الحكمة القبطية لصالح مزايدات ومزايدين يعيشون خارج مصر، ولا هم سوى تسجيل بطولات تلفزيونية على حساب سلام الطائفة القبطية والأمن الوطني المصري. وهذه صورة تنافي كلياً الموقف القبطي التاريخي الطليعي دائماً في كل القضايا الوطنية المصرية، وهو موقف مجرب ومسجل في التاريخ، ومن المؤسف أن تتمكن قلة متطرفة من لي الموقف القبطي الصلب، لتختطفه وتستخدمه وقوداً لفتنة ليست من شيم الأقباط ولا من عاداتهم ولا من تقاليد حكمتهم التاريخية.