كما أسلفنا في المقال السابق فان حركة السوق السعودي لا تتحدد اتجاهاتها تبعا لمعطيات قانون العرض والطلب وإفرازاته بل هناك قواعد أصبحت هي المسيطرة والمؤثرة على حركة الأسعار وهي أقرب لما يسمى في النظريات التحليلية بقوانين الظل. فهناك واقع معاش يشير إلى انه من المفترض أن تتجه أسعار السلع الغذائية للانخفاض إذا لم يكن كلها، ومن جانب آخر فهناك السلع الغذائية التي ارتفعت بنسب معينة خلال الفترات الماضية لأسباب خارجية انتهت عوامل صعودها الآن لتدخل الدولة من جهة ولانتهاء المسببات الخارجية من جهة أخرى فهذه السلع المفروض ان تعود لمستوياتها الماضية قبل الارتفاع وهذه كله مفترض نظريا. ولكن بالعودة للواقع فلا الذي ارتفع نزل ولا حتى ظلت هذه السلع على أسعارها السابقة بل هناك مؤشر عام يتجه للصعود، وقد يقول البعض ان ذلك لأسباب خارجية بحتة بسبب أزمة الغذاء العالمية المتأثرة بشكل مباشر وبسبب أزمة الطاقة والظروف المناخية وغيرها.. نعم كل هذا صحيح ولكن كما أسلفت نحن نلجأ لتطبيق الأسلوب العلمي للتحليل لتقييم الموقف وفهم المسار وتصحيح الانحراف في مسار الأسعار التي قد تحصل لأي تدخل غير مرتبط مباشرة للسبب الأصلي للمشكلة او على الاقل فهم مسبباته لنستعين على تطبيقها بالواقع العملي للحد من هذا المسبب الدخيل الذي يزيد عمق الازمة ويساهم في تصعيدها ولا ينتهي بنهاية السبب الاصلي للازمة بل يظل قائما على الساحة كواقع فرض نفسه هذا بالضبط ما يؤكد على اهمية قيامنا بمحاولة فهم ما يحدث تماما لنصل للتشخيص الحقيقي للواقع. هناك جهات حكومية كثيرة وعلى رأسها وزارة التجارة أقرت سياسات إستراتيجية وقدمت جهودا ملموسة، كما أصدرت قرارات تنفيذية كان مفترضا ان تحد من موجة الغلاء بأثر فعال ولكنها لم تنجح ان دائرة التأثير على الاسعار واسعة جدا ولا يمكن حصر كل العناصر المؤثرة ولكن دائرة ذوي العلاقة المباشرة المتأثرين بحركة الاسعار صغيرة وهي ثلاثة أطراف الدولة وتمثل المجتمع بشكل عام والتجار والمستهلكين فالدولة او المجتمع حتما لا يستفيد من بقاء ارتفاع الاسعار حتى مع زوال المسبب الخارجي لهذه المشكلة ولكن يبقى العنصر الثالث وهم التجار الذين هم عمليا يستفيدون من جني ارباح خيالية مع بقاء الاسعار مرتفعة عن السعر الواقعي المفترض لمدة سنة في المتوسط بنسبة قد تصل الى 30 بالمائة، علما بأن التكلفة قلت اصلا عليهم من المصدر الخارجي أي تضاعفت أرباحهم بنسب مضاعفة وهنا تكمن المشكلة. وعودا على بدء فهناك جهات حكومية كثيرة وعلى رأسها وزارة التجارة أقرت سياسات إستراتيجية وقدمت جهودا ملموسة (قد تكون غير كافية) كما أصدرت قرارات تنفيذية كان مفترضا ان تحد من موجة الغلاء بأثر فعال ولكنها لم تنجح وكذلك الحال في السوق العقاري فهناك قرارات سامية عدة صدرت في هذا القطاع بهدف حل ازمة الإسكان بما يعني بشكل ضمني الحد من ارتفاع اسعار العقار المبالغ فيها وهي قرارات كبيرة في الحجم والمضمون. اذا لماذا لم يحدث الاثر المطلوب نرجع لنفس السبب السابق من المستفيد الحقيقي الاكبر والوحيد من موجة الغلاء؟ هم بطبيعة الحال التجار بداية من ملاك الاراضي وصولا الى باقي هذه الدائرة اذا نخلص الى ان جشع التجار يظل المسبب الاكبر لمشكلة ارتفاع الاسعار. مستشار اقتصادي وباحث أكاديمي