لم تعد أدبيات التحليل في الاقتصاد الكلاسيكي كافية أبدا لفهم التغييرات الكبيرة الجارية في أسعار الكثير من المواد والسلع، فبينما كان من المفترض مثلا ان تتجه أسعار بعض المواد للانخفاض يلاحظ أنها ترتفع، ثم نقول: إنها موجة غلاء مسببة وبعدها ستنخفض الأسعار فيحدث العكس. الاتجاه الغالب على الأسعار عموما هو الصعود سواء كان مسببا أم غير مسبب، ونحن هنا لا نقصر الحديث على أسعار السلع الغذائية أو مواد البناء أو السلع الكهربائية والسلع الالكترونية وغيرها الكثير ، بل حتى أسعار العقار والخدمات، وقد يكون المنطق البسيط يحتم علينا عدم جمع كل هذه قطاعات السوق في سلة واحدة لأن كلا منها له الكثير من المؤثرات الخاصة التي يخضع لها التي تشكل في النهاية المسار الخاص الذي تتخذه هذه السلعة أو تلك صعودا أو نزولا لكن في الغالب هي في اتجاه واحد وهذا ما نلمسه بجلاء حينما نرصد حركة أسعار معظم السلع في أسواقنا وفي أحسن الأحوال حين نرصد ان حركة قطاع معين مثل السلع الغذائية لم ترتفع في الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري حتى مع انخفاض قيمة الواردات منها بنسبة 23 بالمائة حسب الإحصاءات الرسمية (إلا انه من المؤكد أن أسعارها ارتفعت في الأشهر الثلاثة الأخيرة )، بينما الظروف العالمية والمحلية هي التي لم تتغير. كان من المفترض ان تنخفض أسعار الوحدات السكنية والأراضي بعد إعلان الدولة توفير (500) ألف وحدة سكنية قريبا أي انه كان مفترضا ان تتجاوب السوق العقارية انخفاضا في أسعار الأراضي المخططة وعلى الأقل البيضاء، لكن لم يحدث هذا ولا ذاك، بل ظلت محافظة على أسعارها وسجلت ارتفاعات تختلف من منطقة لأخرى. وبالنسبة لمواد البناء والقطاع الإنشائي فقد تأثرت كثيرا بسبب ارتفاع الطلب عليها، الأمر الذي انعكس على حجم وارداتها، حيث نمت بما يعادل 21 بالمائة خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي وأسعارها بشكل عام ارتفعت بنسب متفاوتة حسب مكونات هذا القطاع. أما أسعار السلع الكهربائية والالكترونية والكماليات الأخرى فبسبب ازدياد الطلب عليها نتيجة للسيولة المالية المتوافرة لدى الأفراد وتيسر عملية الحصول على قروض فنرى أن أسعارها ارتفعت أيضا بنسب مختلفة وهكذا تستمر العملية وصولا الى المحرقة الكبرى لمدخرات الأفراد وهي السلع العقارية ، فقد كان من المفترض ان تنخفض أسعار الوحدات السكنية والأراضي بعد إعلان الدولة توفير (500) ألف وحدة سكنية قريبا أي انه كان مفترضا ان تتجاوب السوق العقارية انخفاضا في أسعار الأراضي المخططة أو على الأقل البيضاء ، لكن لم يحدث هذا ولا ذاك، بل ظلت محافظة على أسعارها وسجلت ارتفاعات تختلف من منطقة لأخرى وحسب استخدامها تجاريا أو سكنيا أو استثماريا. إذا لا يمكن فهم كل هذه المتغيرات الحاصلة بالسوق وتحليلها مستخدمين بعض أدوات التحليل وقانون العرض والطلب، بل لابد من تحليل الموقف بشكل متكامل لنصل الى فهم عميق لما يجري لنستطيع ان نضع الخطط السليمة لكيفية التعامل معه بما يحمي الأفراد ويحافظ على حقوقهم وهؤلاء هم أبناء مجتمعنا وبما يحفظ سلامة أسواقنا وهي عصب اقتصادنا الوطني. مستشار اقتصادي وباحث أكاديمي