أكد خبراء اقتصاديون أن السوق السعودية تتعرَّض للإغراق من منتجات رديئة الجودة، في ظاهرة بدأت بالتزايد بعد الأزمة المالية العالمية. وقالوا إن هناك عوائق تقف أمام تطبيق مفاهيم الجودة في الأسواق، منها ضعف المتابعة الادارية في المصانع ونقص الخبرة لدى مسؤوليها وعدم فهمهم المتغيرات الداخلية والخارجية التي يشهدها السوق. ولفتوا الى غياب الوعي الكافي لدى المستهلكين بمعايير الجودة، مشيرين الى أن 5 بالمائة فقط من هؤلاء المستهلكين يهتمون بمعايير الجودة في مشترياتهم. وقال الخبير الاقتصادي محمد القحطاني إن غياب الجودة في المنتجات الغذائية أو الاستهلاكية يؤدي الى خسارة الاقتصاد الوطني الكثير من الاموال، لأنها تتبع معياراً محدداً في قياس مستوى الخدمة أو النوعية المقدَّمة للمستهلك، وبالتالي فإن الجودة تتوقف على عدة عوامل وهي سمعة الشركة المصنّعة، أصالة المنتج، وكسب ثقة المستهلك على مدار سنوات طويلة. زادت نسبة إغراق الأسواق السعودية بالمنتجات الرديئة بعد الأزمة المالية العالمية والعوامل الاقتصادية الأخرى مثل انخفاض العملات الأوروبية وارتفاع أسعار الذهب والنفط مما جعل منظمة التجارة العالمية تقف مكتوفة الأيدي.. واضاف: «نحن نعيش في زمن العلامات التجارية فإذا لم تكن هناك مصداقية لدى المصنع في المنتجات التي يقدّمها ويحترم ذوق المستهلك فلن يستمر بالسوق». وأشار إلى وجود ما يعادل 5 بالمائة من المجتمع السعودي فقط يهتم بجودة ونوعية المنتجات سواء كانت استهلاكية أو غذائية، ويعرف مستوى الماركات التجارية العالية، اما البقية فيبحثون على حد تعبيره عن التخفيضات الوهمية والمنتجات الرخيصة في الأسواق». وتابع: «عدم الاهتمام بالجودة سيدفع ثمنه المستهلك غالياً سواء صحياً او مالياً، فالمستهلك الذي يدفع 3 آلاف ريال مقابل هذه المنتجات سيدفع بعد فترة 6 آلاف لشراء منتجات جودتها عالية أي أنه أنفق 9 آلاف ريال، ولكن 34 بالمائة من هذا المبلغ عبارة عن خسائر بسبب البحث عن السعر وليس الجودة». وأوضح القحطاني أن فرق الاسعار بين السلعة الجيدة والرديئة لا يتجاوز 35 بالمائة، فإذا كانت السلعة المتميّزة تباع ب 135 ريالاً، فإن المقلدة سعرها ب 100 ريال، ولكنها لا تشبع رغبات المستهلك أو تلامس ذوقه، ولا تعمر وقتاً كافياً، فمثلاً السيارات الكورية عندما طرحت في السوق السعودية كانت جودتها ضعيفة وكان سعرها رخيصاً، ولكن عندما قام المصنّعون بتحسين الجودة زادت أسعارها واصبحت تنافس السيارات العالمية بعكس السيارات اليابانية التي حافظت على مستوياتها السعرية لسنوات طويلة لأنها كسبت ثقة المستهلكين من جميع أنحاء العالم. وعن العوائق التي تقف أمام انتشار المنتجات الجيدة ألقى القحطاني باللائمة على العمالة الوافدة التي اغرقت السوق المحلية بالسلع الرديئة من خلال توسّع محلات أبو ريالين، ومراكز البضائع المخفضة، ومحلات نصف السعر، ومحلات أبو ريال، مشيراً الى ان هذه العمالة تسعى وراء الربح وتطوّر أساليب الغش محلياً لاستنزاف ميزانية الأسر الشهرية. وقال إن جودة المنتجات كانت عالية في السابق وكان المستهلك يحرص على شرائها لكن ضعف الدور الرقابي من قبل وزارة التجارة ومؤسسات المجتمع المدني كجمعية حماية المستهلك، وكذلك المختبرات الخاصة أدى الى ارتفاع نسبة المنتجات الرديئة في الاسواق. واشار إلى أن نسبة إغراق الأسواق السعودية بالمنتجات الرديئة زادت بعد الأزمة المالية العالمية والأحداث الاقتصادية الأخرى مثل انخفاض العملات الأوروبية وارتفاع أسعار الذهب والنفط التي جعلت منظمة التجارة العالمية تقف مكتوفة الأيدي امام هذه الممارسات، مما دفع ضعاف النفوس إلى استغلال الاوضاع وإغراق السوق المحلية بهذه المنتجات، لافتاً الى أن مستوى الإغراق دائماً كان في السلع الاستهلاكية التي يتجاوز سعرها ال 50 ريالاً. وأكد أن الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس تحتاج إلى وضع معايير رقابية صارمة على جميع السلع المحلية والمستوردة، مقترحاً تحوّلها إلى شركة خاصة على غرار شركة الاتصالات السعودية من أجل فتح مختبرات فحص تتعاون دولياً وتنفذ أعلى المعايير العالمية. وطالب القحطاني بالنهوض بالمنتجات السعودية ومنحها فرصة زيادة السعر بنسبة 10 بالمائة، كي تركّز على مستوى الجودة، وهذا لا يتنافى مع قواعد منظمة التجارة العالمية. من جهته أوضح أمين عام غرفة الشرقية السابق إبراهيم العليان أن عدم تطبيق المواصفات وضعف رقابة المختبرات والجمارك على السلع المستوردة جعلا السوق المحلية تعجُّ بالسلع المقلدة مثل الاجهزة والمعدات الكهربائية المقلدة ضعيفة الأداء، والخطيرة على صحة المستهلك وممتلكاته. واكد على اهمية وجود حدٍّ ادنى لمستوى الجودة في المنتجات المعروضة في الاسواق بقوله: «هناك سيارة قيمتها 30 ألف ريال وتحتوي على جميع وسائل السلامة والأمان لكن إكسسواراتها ضعيفة، وأخرى تمتلك كافة المواصفات وقيمتها 200 ألف ريال، لكن هناك دوافع تجعل المستهلك يفضّل شراء المنتج الرديء منها ضعف الدخل المادي، والجهل بمفهوم الجودة». ودعا الجهات ذات العلاقة الى تثقيف المستهلك بمعنى الجودة والمواصفات، وعدم إدخال المنتجات إلى المملكة إلا بعد التأكد من صلاحيتها للأسواق المحلية، وفرض عقوبات صارمة بحق من يمارس الغش ويتلاعب بالمواصفات المطلوبة مثل فرض غرامات مالية والسجن والتشهير، والحرمان من العمل. أما على المستوى الصناعي فقد أشار الخبير الصناعي عبدالله الخالدي إلى أن المنتجات المستوردة من الخارج مثل الأغذية والأدوية أصبحت رديئة، ولو كانت معايير الجودة مطبَّقة بالمصانع بنسبة 100 بالمائة لما حصلت الأمراض والمشاكل البيئية. وقال الخالدي إن الأزمة المالية العالمية دفعت كثيراً من المصانع إلى انتاج سلع رديئة أو تقليد بعض الماركات لتقليل النفقات ولتعويض ما خسرته بتلك الفترة وجعلها تتحايل بالجودة ولا تطبّق كافة المواصفات الخاصة بالمملكة، فإذا كانت صناعة المياه المعدنية مثلاً تتطلب نسبة 20 بالمائة من الكلور فإنها لا تضيف إلا نسبة 15 بالمائة، مشيراً الى ان المختبرات الخاصة بالموانئ والمطارات تتصدى دائماً للمنتجات المقلدة لأن المملكة حريصة كل الحرص على تطبيق الجودة بحذافيرها، وبسبب ذلك نجد أن الجهات المسئولة استطاعت تحقيق نسبة جودة بالمنتجات الطبية والغذائية والاستهلاكية في الأسواق تتعدّى 80 بالمائة.