لوعُدنا بالذاكرة لأكثر من عقدين أو ثلاثة عقود من الزمان لتذكّرنا تلك الحالة الثقافية التي كانت شائعة ومزدهرة في نشاطات وزارة (الإعلام سابقاً)، وهي التي باتت مفقودة في أنشطة وزارة الثقافة والإعلام حالياً، وتلك الحالة هي الحفلات المسرحية المنوّعة التي كنا نتابعها أسبوعياً من خلال تليفزيون القناة الأولى، وإذاعة البرنامج العام. لقد كانت أنشطة التليفزيون السعودي من خلال المسرح الجماهيري رائدة في مجالها، ومستقطبة لشريحة كبيرة من مشاهدي التليفزيون في بيوتهم، ومن الذين يسعون للحضور في مكان الحفل المسرحي، ولعل الإخوة القراء يتذكّرون العديد من الأسماء اللامعة في وقتها خاصة جاسم العثمان في برنامجه «تحت الأضواء» وعمر الخطيب في برنامج «بنك المعلومات» ومحسن الشيخ آل حسان في برنامج «رواد ومواهب»، وبدر كريم وغالب كامل وعلي داوود في برنامج «طلابنا في الميدان»، وإبراهيم الصقعوب ومحمد الرشيد في برنامج «استديو رقم واحد» في الإذاعة، وبرامج أخرى كثيرة ما زلت أتذكرها منذ صغري، وأتذكر كيف كانت ليلتا الخميس والجمعة ماتعتين ممتعتين لشغفنا وتلقينا ونحن نتابع تلك البرامج الجماهيرية الرائعة. لقد كان برنامج «رواد ومواهب» التليفزيوني، ومثله برنامج استديو رقم واحد الإذاعي وغيرهما، يمتلكان من الحيوية والصدق الوطني والإنساني شيئاً كثيراً، حيث قدّموا من خلال هذه البرامج عشرات المواهب من الشباب السعوديين؛ شعراء ومغنّين ورسّامين وموسيقيين، وكان التليفزيون السعودي في وقتها هو الحاضن الأكبر للمواهب الشبابية السعودية بكافة، كما أن تلك البرامج كنا نرى فيها الشخصية السعودية المتوازنة، والمُحبة للفكر والحياة والفن في ظل الوطن الكبير. إن المميزات التي كنت أتلقاها في تلك البرامج كثيرة، ومن أهمها تعزيز الجانب الوطني، والجانب المعرفي الثقافي، وجانب الفنون والمواهب، وبكل صدق فقد كنت أشعر بهذا الحضور الثلاثي في جوّانيِّتي أثناء متابعتي تلك البرامج، وأعتز بكوني وطنياً سعودياً، وبكوني مُحباً للمعرفة والثقافة، وبالمتعة الرائعة للفنون الغنائية والبصرية التي نشاهدها في هذه المسارح، لقد كان برنامج «رواد ومواهب» يحقق تلك المنظومة الوطنية الجميلة التي ننشدها، فقد كانت فكرة إعداده تقوم على الجمع بين روّاد الفن أو المعرفة أو الثقافة في المملكة مع شخصيات ما زالت تتلمّس مواهبها وتستفيد من لقائها بالرواد والمؤسسين، حيث كان هذا الأمر يجري في كل حلقة، والأمر الأكثر روعة، فقد كانت الحلقات تستهدف تنويع المشاركة من مختلف مناطق المملكة شمالها وجنوبها، وشرقها وغربها، دون أن نشعر بشيء من التفرقة أو الميل لجهة من جهات الوطن دون غيرها، ناهيك عما كان يفعله برنامج «طلابنا في الميدان»، حيث كانت المنافسات المعرفية والثقافية تشتد في أرجاء مختلفة من طلاب المملكة، أتذكر أنني كنت في المرحلة الابتدائية وكان هذا البرنامج هو حديثنا وشاغلنا مع الأصدقاء، خاصة تلك الفقرة الأخيرة التي تنتهي بها حلقة البرنامج وهي فقرة المواهب، ففي كل حلقة نرى طلاباً من مختلف أنحاء المملكة يمثلون مدارسهم ويُبدعون في الشعر والتمثيل والرسم والغناء والتقليد والاختراعات بصورة مبهرة، مشكّلين لوحة رائعة من روائع الإبداع الوطني والإنساني. لقد كان برنامج «رواد ومواهب» التليفزيوني، ومثله برنامج «استديو رقم واحد» الإذاعي وغيرهما، يمتلكان من الحيوية والصدق الوطني والإنساني شيئاً كثيراً، حيث قدّموا، من خلال هذه البرامج عشرات المواهب من الشباب السعودي، شعراء ومغنين ورسامين وموسيقيين، وكان التليفزيون السعودي في وقتها هو الحاضن الأكبر للمواهب الشبابية السعودية بكافة، كما أن تلك البرامج كنا نرى فيها الشخصية السعودية المتوازنة، والمحبة للفكر والحياة والفن في ظل الوطن الكبير، كان برنامج «استديو رقم واحد» يتجوّل أسبوعياً في أرجاء المملكة، ويستقبل المواهب والمبدعين في مسارح جمعيات الثقافة والفنون التي كانت لها صولات وجولات رائدة ورائعة في مسيرة المسرح والفن السعودي، وكما ذكرت لكم، فقد كانت الشخصية السعودية في المشاركات الجماهيرية التليفزيونية تمثل بحق روح المواطنة الجميلة، وتشعُّ منها ينابيع الفرح والإقبال المنقطع النظير في المشاركة والتسابق للدخول فيما قدَّمه الوطن لهذا المواطن من خلال برامجه التليفزيونية الجماهيرية دون إقصاء أو إبعاد أو تَعنْصُر لأحد على حساب أحد آخر. إنني أتذكر تلك الجهود الجميلة التي كنا نتابعها أنا وأبناء جيلي، وأتذكر كيف رسَّخت فينا مبادئ جميلة في الحياة الثقافية والوطنية، وكيف كنا نحلم بأن نكون في يوم من الأيام من المشاركين في تلك البرامج بمواهبنا الشعرية والفنية، إنني أدعو الأخ العزيز وزير الثقافة والإعلام معالي الدكتور عبدالعزيز خوجه، وفقه الله، بأن يكرِّم باسمي وباسم أبناء جيلي من شباب المملكة العربية السعودية كل المذيعين والمعدّين وفرق العمل التي أنتجت تلك البرامج الوطنية، وساهمت بشكل كبير في مدّ يد العون للشباب بكافة أطيافهم وفنونهم، كما أتمنى عليه أن يتساءل بينه وبين نفسه: هل يمكن أن نُعيد تلك البرامج التليفزيونية الجماهيرية كما كانت خاصة في ظل التقنيات الإعلامية المتطورة؟ هل يمكن أن نزيح فكرة إنشاء قنوات جديدة ونستبدلها ببرامج جماهيرية شديدة التأثير المنفعة؟ هل من الممكن أن تكون وزارة الثقافة والإعلام مسرحاً كبيراً لهموم وتطلعات ومواهب الشباب في السعودية؟ [email protected]