قبل الخوض في موضوع التعليق الرياضي ، دعوني أكمل أولا الحديث عن منح التلفزيون السعودي حق نقل مباريات الدوري. هذا الحق الذي جاء بأمر ملكي كريم ،هو أمر وإن كان مختصرا في مضمونه إلا أنه واضح من كل جوانبه. فعندما كانت الحقوق مباعة لعدد من الرعاة كانت هناك مبالغ كبيرة تدفع للأندية، ومن الطبيعي أن يفهم كل عاقل بأن على التلفزيون السعودي دفع نفس المبالغ إن لم تكن أكثر. فما كان يُدفع للأندية يعتبر شريانا يمدّها بالحياة ويمنحها الفرصة لدفع المستحقات التي عليها من مرتبات وعقود وحقوق للآخرين. وإذا كان القرار الملكي الكريم لم يتطرق لهذه الأمور، فإن معالي الوزير وسمو الأمير تركي وكل مسئول في الوزارة أو جهاز التلفزيون السعودي يدركون أن لا شيء في عالم الاحتراف بالمجان. وهم جميعا أيضا يتفهمون بأن الحياة اليومية للأندية قد تتوقف في أي لحظة إذا لم تتسلم إداراتها المبالغ المطلوبة. وإذا كان الحديث عن حقوق النقل لهذا العام سابقا لأوانه، فماذا عسانا نقول عن المستحقات المتخلفة للأندية عن الموسم الماضي؟ وهي المستحقات التي كان يجب أن تدفعها الشركة الموقعة مع الاتحاد السعودي دون أي تأخير. فنحن لا نعرف حتى اللحظة إن كانت الشركة قد دفعت ما عليها أم لا، وإذا كانت قد دفعت، فلماذا لم تسلِّم الرئاسة تلك المبالغ للأندية؟. نحن في عالم الاحتراف ،والكثير من أنديتنا عاجزة عن اللحاق بركب الأندية الآسيوية، بما فيها الأندية الخليجية والعربية، ومازلنا حائرين باحثين عن تفسير لتعثر تسلُّم أنديتنا باقي مستحقاتهم والتي تقدر بثلاثة ملايين ريال لكل ناد. كما أننا لم نعد نفهم لماذا كل هذا الارتباك والتخبط في قضايا مالية كان من المفترض أن تكون من البديهيات. إن استمرار هذا الوضع المربك سيترك آثارا سلبية كبيرة ستنعكس على الأندية ومستقبلها في وقت نرى فيه الانطلاق السريع لعدد من أندية الخليج وشرق آسيا وهو الأمر الذي سيوسع الفارق بين أنديتنا وتلك الأندية، وسيؤثر على الاهتمام الشبابي بكرة القدم التي تعتبر المتنفس الوحيد لهم. إنني أسأل كلَّ مسئول قبل الانتقال لقضية التعليق إن كان مستعدا لتحمُّل انهيار الكرة السعودية ومعها تبعات الإحباط الشبابي تجاه كرتنا بعد صولات وجولات قارية وعالمية!؟. الموضوع أخطر ممّا يحاول البعض تصويره. المملكة بلد له وزنه في كل المحافل، وثريٌّ بشبابه قبل نفطه، ومؤثر بمواهب وقدرات أبنائه. ووطن بهذا الثقل قدّم للتعليق العربي الكثير من العمالقة ممن كتبوا أسماءهم بماء من ذهب يعجز اليوم عن تقديم معلِّق واحد يعلِّق على مباراة هامشية!! يا له من حال مائل!!. زاهد قدسي وخالد الدحيلان -يرحمها الله- وعلي داوود ومحمد رمضان وناصر الأحمد وإبراهيم الجابر ونبيل نقشبندي ورجاء الله السلمي وعبد الله الحربي وعيسى الحربين وغازي صدقة ومحمد الفايز وحسن شاكر، وغيرهم من الأسماء التي توزعت على القنوات العربية، أيعقل أن يعجز هذا الوطن الذي قدّم كل هذه الأسماء عن تقديم معلقين ولو بنصف حجم أولئك العمالقة؟! هل السبب هو في ضعف المواهب أم ضعف الأساليب والأفكار والمحاولات للجهة المشرفة على هذا القطاع الهام والحساس؟ كان التعليق برعاية ومتابعة مباشرة من فقيد الرياضة العربية سمو الأمير فيصل -يرحمه الله- ومن ثم الأمير سلطان والأمير نواف ومعهم الدكتور صالح بن ناصر ومنصور الخضيري وخالد الحسين. لقد كان للتعليق حينها هيبة في حضرة هذه الأسماء الخبيرة والكبيرة، ولكن ومنذ أن انتقلت المسئولية إلى القناة الرياضية أصبحنا نستورد المعلقين بدلاً من تصديرهم لكل القنوات، وهذا أمر مُحرِج لنا، كما أنه مؤلم عندما نسمع عن قيمة العقود المقدمة والتي تصل إلى أرقام فلكية لمهنة مثل التعليق. عدنان حمد واحد من أقرب المعلقين الخليجين إلى قلبي وتربطني به علاقة طويلة وقوية ،واشتركت معه في التعليق على بطولات خليجية وعربية وقارية ومونديالية، وكنا نحضر للمباريات سويا، ولم أشعر ذات يوم أنه بعيد عن كرتنا السعودية ومجتمعنا وخصوصيته، ولكنني لم أتمّنَ ذات يوم أن أسمعه يعلِّق في قناتنا الوطنية ،في الوقت الذي كان الأمل في بروز معلق سعودي مهما كان مبتدئا. وإذا كان عدنان من الأسماء الخبيرة الحبيبة لنا فماذا نقول عن أسماء لم تكد تُعرف في دولها ؟!فإذا بنا نعرض عليها عشرات الآلاف من الريالات في الشهر الواحد. التعليق ليس كالتحليل وظروفه غير ظروف الاستديو وارتباط الناس بالمعلق ارتباطا روحانيا ،والتاريخ سيكون هو الحكم عندما تعاد مباريات الدوري بصوت معلِّقين غير سعوديين. وحينها سيكون حكمه قاسيا. لدينا تجربة مؤلمة عندما استعنا بحكام أجانب ،مع أن الظروف في حينها كانت ملحّةً وحساسة ،ولكن مالذي يدفعنا للتعاقد مع أسماء غير سعودية في مجال التعليق واستجداء أسماء أخرى علّها توافق على عرضنا ،بينما يظل معلقا مثل ناصر الأحمد خارج دائرة الاهتمام!! صدقوني أن الأمير تركي بن سلطان حريص على منح الشباب السعودي أكبر فرصة ممكنة، وقد تشرفت باتصاله بي الأسبوع الماضي، لكن يبدو أن الزملاء العاملين معه قد عقَدوا مهمة البحث عن معلقين سعوديين وساهموا في البحث عن أسماء جاهزة رغم حساسية المهمة وأهميتها. وأنني أناشد سموه بإعادة النظر في موضوع التعاقد مع معلقين غير سعوديين وفتح الأبواب في كل المناطق بإشراف أهل الخبرة لاختيار معلقين سعوديين جُددٍ فأرض المملكة ولّادة في كل المجالات ولن تعجز عن تقديم أسماء جديدة وأصوات متميزة كما قدّمت من قبل. ولكم تحياتي. [email protected]