إنهم يهاجمون في جنح الظلام ويضرمون النار في المساجد ويكتبون على جدرانها «فاتورة الحساب» وهو شعار التحدي الذي يرفعه مستوطنون يهود هددوا بالانتقام لأي تحرك من جانب السلطات الاسرائيلية لازالة مواقع استيطانية شيدت في الضفة الغربية دون تصريح. ولا تزال عشرات من هذه المواقع التي وعدت اسرائيل مرارا حليفتها الولاياتالمتحدة بازالتها قائمة فوق قمم تلال في الضفة الغربية يزعم الكثير من المستوطنين ان لهم حقوقا توراتية وتاريخية فيها، بينما يريدها الفلسطينيون لاقامة دولتهم. وفي المرات القلائل التي هدمت فيها جرافات الجيش الاسرائيلي مباني في هذه المواقع يستيقظ قرويون فلسطينيون صباحا ليجدوا مسجدا وقد أتت عليه النيران لتظهر العبارة التي أضحت مألوفة الآن على جدرانه. وأدان الزعماء الاسرائيليون مثل هذه الحوادث، لكن لم يوجه اتهام لأي شخص في ثلاثة حرائق متعمدة أضرمت العام المنصرم، ويقول فلسطينيون : إن هذا دليل على عدم مبالاة الحكومة اليمينية التي تضم أحزابا مساندة للمستوطنين. وقد اتسع نطاق حملة «فاتورة الحساب» في الفترة الحالية لتشمل أعمال التخريب قاعدة للجيش الاسرائيلي في الضفة الغربية وإضرام النار في مسجدين، وقد لامس أحد الحادثين الأسبوع الماضي في قرية بدوية داخل اسرائيل وترا حساسا لزعماء البلاد والرأي العام. فعلى المحك الآن النسيج الهش للتعايش بين الأغلبية اليهودية والأقلية العربية التي تمثل 20 بالمائة من تعداد سكان اسرائيل. وفي طوبا الزنغرية في الجليل أضرمت النيران في مسجد يوم الاثنين الماضي ما دفع عشرات من عرب اسرائيل للاحتجاج في الشوارع ورشق الشرطة بالحجارة وردت الشرطة باطلاق الغازات المسيلة للدموع، وقال أحد سكان القرية : لتدرك اسرائيل انها ستدفع ثمن هذا. وتشير عبارات كتبت على جدران مسجد النور الى ان منظمي حملة «فاتورة الحساب» ينتقمون لمقتل مستوطن وابنه الشهر الماضي حين انقلبت سيارتهما في الضفة الغربية بعدما رشقها فلسطينيون بالحجارة. وقالت الشرطة : إنها شكلت قوة خاصة للتعامل مع منظمي هذه الحملة، وأعلنت يوم الخميس انها ألقت القبض على مشتبه فيه بقضية طوبا الزنغرية. وفي انفراجة محتملة أخرى للتصدي للمتشددين وجهت محكمة في القدسالمحتلة يوم الاربعاء الماضي اتهامات لثلاثة مستوطنين بالتخطيط لاضرام النار في مسجد في الضفة الغربية، اضافة للهجمات على المساجد وجه اللوم لمستوطنين متشددين بحرق سيارات واقتلاع مئات من أشجار الزيتون والعنب داخل بساتين فلسطينية. ويربط بعض نشطاء حقوق الإنسان في اسرائيل بين تصاعد الهجمات في الأشهر الأخيرة والتوتر الناجم عن تقدم الفلسطينيين بطلب للأمم المتحدة للاعتراف بدولتهم وهو ما تعارضه بشدة اسرائيل وحليفتها الولاياتالمتحدة. ويعتقد الى حد بعيد ان حملة «فاتورة الحساب» من عمل مجموعة سرية من المستوطنين الشبان في مواقع استيطانية شيدت دون ترخيص، حيث لا يلقى الصحفيون ترحيبا. ويقول مسؤولو أمن : إن مثل هذه الجماعات شديدة التماسك بحيث يصعب التسلل اليها ما يجعل من الصعب تفادي الهجمات على المساجد أو التعرف على مرتكبيها، لكن افراهام ديتشر الرئيس السابق لجهاز الأمن الداخلي الاسرائيلي «شين بيت» صرح لرويترز بان الوقت حان للتحرك ضد المستوطنين المتشددين الذين وصفهم بأنهم «تعساء ذوي عقلية ارهابية». وأضاف انهم ليسوا بنفس الدموية مثل جماعة يهودية قتلت ثلاثة فلسطينيين وأصابت العشرات في سلسلة في الهجمات خلال الثمانينيات إلا ان الحوادث الأخيرة تقرع ناقوس الخطر. وذكر ان الهجمات على أماكن حساسة مثل جبل الهيكل وهو الاسم اليهودي للحرم القدسي لدى الفلسطينيين قد تشعل شرارة موجة جديدة من العنف الفلسطيني سريعا. وقال : قد تجد نفسك في غمار انتفاضة في لمح البصر ليس بسبب سقوط قتلى، لكن لمجرد استهداف أماكن حساسة ومهمة جدا. وقال ايتمار بن جفير أحد زعماء المستوطنين بمستوطنة كريات اربع وهي من أكثر المستوطنات اليهودية تشددا : إن الهجوم على مسجد الجليل لم يكن مفاجأة. وتابع قائلا : كان متوقعا لانه حين يشعر أفراد بتخلي «المجتمع» عنهم ويقع عليهم الضرر ويتأذون المرة تلو الأخرى فمن الطبيعي ان يخرج البعض منهم ويرتكبون حوادث، في اشارة على ما يبدو لتحركات ضد مواقع استيطانية بدون ترخيص. وسارع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بادانة حادث إضرام النار في مسجد الجليل وسارع الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريس بتفقد المسجد، حيث كان السكان يبكون على المصاحف المحترقة. وأبدى زعماء المستوطنين قلقهم إزاء المتشددين بين صفوفهم وأعربوا عن مخاوفهم من ان تشوه أفعالهم صورة الحركة التي يصف القانون الدولي مستوطناتها على أراض احتلت عام 1976 بأنها غير قانونية. وقال نفتالي بينيت مدير مجلس المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية «ييشع» : تمثل فاتورة الحساب أكبر ضرر لمستقبلنا. نتكلم عن بضع مئات يعيشون أساسا في المنطقة الشمالية الغربية. أطالب الشرطة بالقاء القبض عليهم وايداعهم السجن، لكن مناحيم لاندو الضابط السابق في أحد أقسام جهاز الأمن الداخلي يحقق في التهديد الذي يمثله متطرفون يهود يقول: ينبغي لزعماء المستوطنين كبح جماح المتطرفين، وقال : أحد الأشياء التي تزعجني أن زعماء المستوطنين يدينون الهجمات باستمرار. الادانة ليست كافية. ينبغي أن يتعاونوا مع أجهزة الأمن ومساعدتها لانه ليس أمام أي مصدر للمعلومات من فرصة نجاح دون مساعدة من المحيطين.