تتمة لحديثي حول الخليج العربي الأسبوع الماضي أقول: كان بعض العرب رغبوا في الخروج من جدلية الاسم وما يترتب عليه من حساسيات، فسمّوه الخليج فقط بلا وصف ولا إضافة، وقد شملت في وقت لاحق التسمية أرض الشاطئ الغربي والجزر المقابلة له من البصرة شمالاً إلى عمان جنوباً والدهناء غرباً أسماء منها: هجر والبحرين والأحساء، وكان كل من هذه الأسماء في الأصل اسماً لمدينة اتسع مدلول اسمها إبان شهرتها، فشمل الإقليم كله وصار علماً عليه، ثم تغيّر مدلول هذه الأسماء فأطلق اسم البحرين على جزيرة أو (دولة البحرين)، واقتصر اسم الأحساء على ما يُعرف الآن بالمنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، وصارت هجر اسماً تراثياً ليس له وجود في غير الأعمال الأدبية، وتوحي هذه الأسماء - في تصوّري - بما تمتاز به هذه الأراضي من الخصب ووفرة المياه وأسباب نمو الحياة ورخائها، فهجر تعني فيما تعنيه البلد الذي يؤوى إليه لطلب الميرة والزاد والأحساء جمع حسي وهو الماء القريب من وجه الأرض، وفي سبب جعل البحرين علماً على هذه الجهات عدة أقوال لعل أهمها: تدفق المياه العذبة من الينابيع الموجودة حول شواطئها وفي واحاتها وفي قاع الخليج ذاته تحت الماء المالح الأجاج المعروفة عند البحارة باسم (القصاصير)، مما يذكّرنا بقول الحق سبحانه (وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) فاطر – آية (12). الهجرات والسكان تفيد نتائج الأبحاث الأثرية أن شرقي الجزيرة العربية والأراضي الأخرى المطلة على الخليج كانت من اقدم الأراضي التي عرفتها حياة الاستيطان البشري منذ أقدم العصور، وأنها كانت مأهولة بالسكان منذ خمسين ألف سنة خلت، ويؤكد ذلك التاريخ المدوّن لهذه المنطقة - على حد قول السير (ولسون) - من نحو سبعة آلاف سنة. منطقة الخليج تمثل الجزء الشرقي للجزيرة العربية التي كانت عبر تاريخها مركزاً للهجرات البشرية التي تغذي ما جاورها من المناطق، فقد أحاطت القبائل العربية بالخليج إحاطة السوار بالمعصم، فأحكمت قبضتها على نوافذه وسير الملاحة فيه ورسمت خريطته البشرية والاقتصادية والسياسية، فكانت سيادة الطابع لها على معالم الخليج. أسماء الخليج أطلقت النصوص السومرية على الخليج أسماء كثيرة منها أرض البحر، البحر الجنوبي، البحر التحتاني، البحر المرّ، البحر الذي تشرق منه الشمس. ويقول المؤلف: حظي الخليج في هذا المجال بسمات وخصائص جغرافية دون سائر البحار فهو بحكم موقعه في قلب العالم القديم يمثل همزة وصل بين الهلال الخصيب وهضبة بلاد العرب، وكان قنطرة مهمة بين قارتي آسيا واوروبا من جهة أخرى، ونمت هذه الظاهرة الجغرافية المحورية، الخليج العربي وما حفلت به صفحات التاريخ من أحداث جِسام. أما أهمية الخليج الأخرى فكانت الاقتصاد، فهو الطريق المباشر لمصادر التجارة الشرقية حتى عرف الشرق السحري الذي هفت إليه قلوب عشاق المال وصانعي الأمم. ويقول الأستاذ الملا: (إن هذا الموقع المتميّز للخليج وما ضمّ في أحشائه من ثروات هائلة جعلته من أهم وأقدم مواطن الاستيطان البشري، فقد شهد في أولى مراحله كما كان مهداً لميلاد العديد من الإنجازات للإنسان في مسيرته نحو التطوُّر والارتقاء، فإلى سكان منطقة الخليج ينسب كثير من الإسهامات الرائدة في الإنجازات الحضارية، فهم أول من ركب العباب وغاص على اللؤلؤ وعمل في الاتجار به، كما كانوا في طلب الكثير من الحيوانات والنباتات ومن بينها الجمال وبعض الحبوب، وكان لهم الريادة في غرس النخيل. وأوضح البحث للنسيج السكاني لمنطقة الخليج العربي كيف شكّلت العناصر العربية سداه، فمنطقة الخليج تمثل الجزء الشرقي للجزيرة العربية التي كانت عبر تاريخها مركزاً للهجرات البشرية التي تغذي ما جاورها من المناطق، فقد أحاطت القبائل العربية بالخليج إحاطة السوار بالمعصم، فأحكمت قبضتها على نوافذه وسير الملاحة فيه ورسمت خريطته البشرية والاقتصادية والسياسية، فكانت سيادة الطابع لها على معالم الخليج. وفي النهاية إن ما تحدثت عنه كتيب ثمين رغم قلة صفحاته، وقد صدر عن نادي الأحساء الأدبي مع بداية عام 1431ه، وهو يستحق القراءة.