عن الدور الحضاري لعرب الخليج قديما أقام نادي الاحساء الأدبي محاضرة علمية ألقاها الدكتور فتحي يوسف الشواورة أستاذ التاريخ في جامعة الملك فيصل بحضور رئيس وأعضاء النادي وعدد من المثقفين والمؤرخين والمهتمين بالدراسات الثقافية والحضارية. قسم الشواورة محاضرته الى عدة محاور تناول الأول مدلول الخليج العربي جغرافيا وحضاريا، حيث أشار الى أن للخليج تسميات عديدة مثل : خليج البصرة، وخليج القطيف، لكن هذه التسميات متأخرة وبين أن الاسم الأعم والأغلب المتعارف عليه للخليج هو «الخليج العربي» لأسباب جغرافية وتاريخية وبشرية ولغوية، والأقاليم العربية التي تكون منها الخليج العربي في العصور الإسلامية فهي إقليم السواد أو ( العراق) وإقليم الأحواز وإقليم البحرين ( الأحساء) وإقليم عُمان، وتلك هي الوحدات الإدارية التي تحيط بالخليج العربي في العصر الإسلامي. أما في المحور الثاني فقدم أمثلة تاريخية عن دور عرب الخليج في نشر الإسلام واللغة العربية في المشرق وتحدث عن الهجرات السلمية التي قامت بها مجموعات من قبائل معينة بصورة تدريجية استغرقت وقتاً طويلاً كما حدث لهجرات قبائل عبد القيس وغيرها من الأحساء وقبائل الأزد من عُمان إلى سواحل الخليج العربي الشرقية وأقاليم بلاد فارس مثل فارس وكرمان ومكران وسجستان، وتناول الباحث الحقيقة التاريخية التي تقرر أن العرب هم الذين نقلوا المعرفة والعلوم إلى بلاد فارس بعد انتشار الإسلام، و أن عروبة هؤلاء العلماء قد أهملت عن قصد أو دون قصد ولم يعرفوا إلا عن طريق نسبتهم إلى البلدان الأعجمية التي ولدوا أو عاشوا فيها. وبين الباحث في المحور الثالث دور عرب الخليج في عملية التعريب التي كانت ظاهرة ملازمة للإسلام، ذلك لأن الدين يفرض على المسلمين من غير العرب ومنهم الفرس تعلم اللغة العربية، فالقرآن الكريم بالعربية وتقام الفرائض بالعربية والتفقه بالشريعة والتفسير كان باللغة العربية، فضلاً عن ان اللغة العربية لغة الدولة والسياسة والدواوين الإدارية، وهكذا غدت العربية ضرورة ملحة لأهل بلاد فارس وغدت العربية لغة الثقافة والعلم التي تكتب بها الكتب، وأدى العلماء العرب دوراً كبيراً في نشر العلم ، حيث كانوا يجلسون في مساجد مرو وهراة ونيسابور وشيراز وأصفهان وكرمان وبلخ وسجستان وغيرها يعلّمون الناس شتى أصناف العلوم والمعارف. وبين الشواورة في المحور الرابع دور عرب الخليج من العراق وشرق الجزيرة العربية في نشر المثل والقيم العربية الإسلامية. كما بين ان مهمة عرب الخليج لم تقتصر في المشرق على نشر مبادئ الدين الإسلامي الحنيف واللغة العربية والعلوم التي أفرزتها الحضارة العربية الإسلامية، بل اتسعت هذه المهمة لتشمل القيم والمعايير والمبادئ والمثل التي آمن بها المجتمع العربي وأقّرها وعززها الدين الجديد. ودعا الباحث الى تذكر الصفحات المشرقة في جوانب الثقافة والحضارة عموماً وعدم نسيان إسهام الفرس مع العرب في إغناء تلك الجوانب وتوسيع آفاقها بالعربية في فترة التكوين ثم بالعربية والفارسية بعدئذ ، ووجه الى ان ننظر ونتطلع إلى التاريخ الحضاري وندرسه من خلفية إيجابية وألا يكون التاريخ شدا إلى الوراء وإعاقة للحركة، بل سبيل انطلاق لمستقبل أفضل وتعايش أخوي بين القاطنين على ضفتي الخليج من منطلق الاحترام والتقدير لما فيه الخير والمصلحة للجميع وبما يخدم الإسلام والمسلمين وقضاياهم العادلة. وفي ختام المحاضرة أجاب الدكتور الشواورة عن عدد من أسئلة الحضور ومداخلاتهم.