لا تفرح بالمنصب.. ولا تحزن عليه.. ولكن كُن لطيفاً مع الآخرين، الزمن يتغيَّر وكل شيء في هذه الدنيا يتغيّر، ولكن يبقى الذكر الطيب، وتتسم الحياة بالاستمرارية والتغيّر والتطوّر والانتقال بين الأفراد من أصحاب الأعمار العليا إلى الشباب، وهكذا في حركة مستمرة لا تتوقف على أحد بعينه، فإذا كان هناك مبدعاً او ماهراً، فبالتأكيد هناك من هو أمهر منه، وأقرب مثال على ذلك الأرقام القياسية في الألعاب الأولمبية والمسابقات العالمية.. فدائماً ما تتحقق أرقام قياسية، ودائماً ما تتحقق أرقام قياسية أفضل منها، وفي كرة القدم لا يستطيع فريق من الفرق أن يحصد البطولات بشكل مستمر مهما كانت قوة هذا الفريق؛ لأنه في كل الأحوال سيأتي من هو أفضل منه، والمسألة هنا لا ترتبط ببذل الجهد فقط، ولكن ترتبط بالعقل الإنساني الذي حبانا الله به، فميّزنا به عن سائر مخلوقاته والذي يولد دائماً الأفكار الجديدة التي تخدم البشرية، ولو توقفت هذه الأفكار لوقف العالم دون تقدّم أو تطوّر. يتأكد للجميع كل يوم صدق هذا القول، وأنه لو كان مقدراً لأحد أن يستمر في وظيفته أو عمله لما استطاع آخر أن يتولى هذه الوظيفة.. يبدأ الشخص في أي موقع يتولّاه وهو يأمل أن يصل إلى أعلى المراتب في هذا الموقع.. ويتمنى كل لحظة أن تتاح له الفرصة حتى يستطيع أن يطبّق ما لديه من أفكار حتى ينهض بالموقع الذي يعمل به، ويقود مؤسسته من نجاح إلى نجاح.. ولكن ما يصدمه ويفاجئ به هو استمرار مديري المؤسسات لفترات زمنية طويلة لا تتيح للكفاءات الشابة تولي الإدارات.. ربما ليست هذه هي حالة كافة المؤسسات ولكن البعض منها كذلك.. وهناك من يطبّق (نظرية حماس الشباب وحنكة الشيوخ في إدارة الأعمال).. والقاعدة هنا هي أن الإدارة لا ترتكز في اختيار طاقهما على عامل السن، بل ترتكز على القدرة والكفاءة على التجديد في الإدارة وإحداث تطويرات وتقدّم في هذه المؤسسات. هل معنى ذلك أننا نهمل جانب العمر لمن قضوا في منصب ما فترات طويلة من الزمن.. بالطبع لا، حيث إن هؤلاء لديهم من الخبرة والتجارب الكثيرة التي تتيح لهم الانتقال إلى مكانة أخرى لها وجهاتها ووقارها وهو درجة المستشار أو الخبير، وهي درجة موجودة بالفعل في الكثير من الوزارات والهيئات، كما لا تخلو منها شركة من الشركات، حيث تحتاج أي شركة إلى عدد من المستشارين والخبراء لتصويب بعض المواقف التي تقع فيها المؤسسات، لكن الإدارة تختلف اختلافاً كبيراً عن دور المستشار ولكل دوره، والحياة تحتاج دائماً إلى أدوار الجميع إلا أن الإدارة بالذات تحتاج إلى سرعة التجديد والتطوّر وإنتاج أفكار جديدة بعيداً عن التقليد. يتأكد لنا من كل ذلك أن قول: («لو دامت لغيرك ما وصلت إليك) هي قاعدة إدارية وجيهة وهي تنقل رسالة إلى كل شخص يستمر في الإدارة لفترات طويلة، وقد استنفذ ما لديه من أفكار ومن قدرة على التطوير، وأصبحت مؤسسته تُدار بشكل تقليدي، حيث إن الإدارة أساسها التطوُّر والتعاقب، وإبراز الابتكارات، حيث يجب أن تحافظ أي مؤسسة على فاعليتها بشكل مستمر.. هذه الفاعلية تنبع من الطموح المرتفع الذي دائماً ما يوجد لدى الأشخاص الذين يطمحون لتولي المراكز الإدارية لإخراج ما لديهم من أفكار وطموح، وعندما تنفذ هذه الأفكار، وينتهي مخزون الطموح ويشعر الإنسان بالاستقرار وعدم الطموح إلى ما هو أعلى، في هذا الوقت عليه أن يسلم الراية إلى آخر لديه الطموح وينتقل هو إلى درجة المستشار أو الخبير، وهي درجة لها وجاهة ووقار وهي أعلى من أي درجة إدارية. إذا أصرّ الإنسان في بعض الأحيان أو الأوقات على الاستمرار رغم ضرورة تسليمه الراية، يؤدي ذلك إلى إدخال المؤسسة بكاملها في سبات عميق وتقليد وبُعد عن التطوير. ويسري ذلك على كافة العاملين بالمؤسسة، فيشعرون بأنه لا أمل من استمرارهم في بذل الجهد لأن ذلك لن يرفعهم إلى المراتب العليا التي يمكن أن يبدعوا فيها وفي النهاية تنتهي المؤسسة رغم أنها كانت في وقت سابق من أنجح المؤسسات. ومن الأساليب الناجحة في تقوية الضبط الإداري، وأسلوب تدوير القيادات الإدارية، والذي استخدمه الخلفاء المسلمون على مرِّ العصور، وأثبتت النتائج إيجابيته في علاج الفساد الإداري، وكشف أية تلاعبات من قبل المدير السابق. وهذا مستخدم في الكثير من الشركات الكبرى وبعض الوزارات لدينا، ومن الأفضل ألا يطيل المسئول في المنصب القيادي حتى تتجدّد الدماء، وهو ما يُطلق عليه الآن بضرورة تداول المنصب، وتحديده بفترة معينة، وقد أقر أبو حنيفة – رحمه الله - على نفسه ضرورة توقيت ولاية القضاء بسنة لسببين: • حتى لا ينشغل عن تحصيل العلم، ولا يتعرّض للفتنة والغرور. وكثير من المسئولين الذين تولوا مناصب قيادية كبرى تغيَّرت شخصياتهم 180 درجة، فبعد أن كان متواضعاً يعامل زملاءه وكأنهم إخوانه.. أصبح متعجرفاً يعامل الموظفين وكأنهم عبيد له بكل عنجهية وغرور وتكبّر.. وبعد فترة دارت الدوائر، وطار المنصب، وعاد المسئول يبحث عن الزملاء.. ولكنه لم يجد أحداً.. نعم.. ينسون أن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء من عباده.. ولينظر هؤلاء إلى ما قاله الشاعر: وتلك الأيام نداولها بين الناس فلا تغرَّنك الحياة بنعماء تلهيك كل نعماء تزول بضر وبأس وما تخفي الأيام من الشدائد يأتيك وتواضع إن التواضع خير لباس ولا تفخر بما لم تصنعه أياديك تواضع فكل مجدٍ يعقبه إفلاس ولو دامت لغيرك ما وصلت إليك [email protected]