بدلة سوداء وقميص أبيض ورابطة عنق.. هكذا أظهرت اللقطات التي بثها التليفزيون المصري مساء الاثنين، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، في مصر، المشير محمد حسين طنطاوي، أثناء تجوله بشوارع وسط القاهرة مرتديا زيا مدنيا لأول مرة.. متخلياً عن زيّه العسكري.. وهو يصافح مواطنين عاديين، بدون حراسة، لا من الشرطة العسكرية كما هي العادة لرجل بحكم موقعه، ولا من الشرطة المدنية كنوع من التحوط، أو هكذا بدا في الصورة. يومها صرخ بائع متجول في أحد حواري القاهرة الخلفية معلقاً بلهجة عامية: "إيه دا.. ما يكونش ناوي يبقى رئيس؟" مستعيداً ما حدث قبل أشهر، عندما شوهد رئيس الوزراء الحالي عصام شرف وهو يتناول ساندويتش الفول والفلافل في مطعم عادي في حي المهندسين حيث يقطن. وعلى الفور، احتدم النقاش في مجتمع خضع لحكم العسكر لنحو 60 عاماً. وقارن ساخرون ما بين "بدلة" المشير" في وسط القاهرة، وما بين سترة رئيس الوزراء السابق أحمد شفيق، والذي كان حديث الناس وقتها، وهو أول رئيس وزراء يتخلى عن البدلة الرسمية والكرافتة، ويحاور الفضائيات كأي رجل عادي. صدفة أم تعمّد؟ هذا الظهور المتعمد للرجل الذي يحكم مصر الآن، وبهذه الصورة أثار التساؤلات، وما أكثرها في مصر الآن: إذا كان متعمداً.. ما هدفه. أم هو صدفة.. فما مبررها؟ بالطبع، تباينت ردود الفعل على الزيارة إلا أن مصدراً عسكرياً مسئولاً سارع بتوضيح أن الزيارة «ليست الأولى من نوعها»، مؤكدا أن المشير «زار هذه المنطقة وميدان التحرير أكثر من مرة بالزى المدنى، لتفقد أحوال الناس بشخصه، دون أن يعرفه أحد ممن حوله». المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه تابع أن :كل المحيطين بالمشير طنطاوي فوجئوا بزيارته بمفرده دون طاقم الحراسة أو أية إجراءات أمنية»، وأضاف: «علمنا بهذه الزيارة من خلال وسائل الإعلام التى بثت مقاطع فيديو مسجلة على هواتف محمولة لأشخاص شاهدوه بأنفسهم خلال الزيارة المفاجئة». يبدو أن هذا أيضاً غير مقنع أمام تأويلات متتالية وربما تأكيدات تؤكد عزم طنطاوي تقديم نفسه كمرشح عسكري لرئاسة الجمهورية لحسم الجدل حول المنصب الشاغر، فسارع المصدر بالقول: «ماحدش يعرف طبيعة شخصية طنطاوي، المشير عمره ما هيمسك رئاسة البلد دي، ولو كان فى باله الموضوع ده كان وافق على عرض الرئيس السابق حسني مبارك بتولى منصب نائب الرئيس قبل الثورة بكثير وبعد الثورة أيضا».. لتنحدر كرة الشكوك من جديد.. وتتواتر الآراء المتناقضة بين خبراء ومحللين. ففيما رأى البعض أن في الظهور المفاجئ للمشير «دلالات على رغبة العسكريين فى الاستمرار فى الحياة السياسية» ذهب فريق آخر إلى أن «الجولة عادية، ويسعى المشير من خلالها إلى التواصل المباشر مع الشارع».. نشطاء سياسيون تحفظوا على المغزى وأرجعوا الزيارة إلى رغبة مفاجئة للرجل فى خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، فيما قال خبثاء: إنها «محاولة لمحو الصورة السلبية التي انطبعت فى الأذهان عقب شهادته فى محاكمة مبارك». يعزز ذلك أقوال عن رسائل جادة من المشير لبعض الغاضبين على المجلس العسكري لتمديده الطوارئ وبطء التحول الديمقراطي، ما يعني أيضاً وعبر بدلة المشير المدنية المتعمدة هنا " أنه يصلح لحكم مصر رئيساً مدنيا بالزي المدني". ومن جانب آخر تلميع وتوضيح صورة المجلس العسكري المحايدة وإظهار بساطة قادته وحرصهم على التواصل مع الشعب في وقت يعانون فيه من هجوم كبير من الكثير من السياسيين. هذا ما رآه مثلاً الدكتور عماد جاد، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الذي اعتبر الجولة «تحمل إشارة واضحة لأفكار موجودة لدى المجلس العسكري بدخول الحياة المدنية، ومؤشرا على وجود تفكير ما بالاستمرار فى الحياة السياسية». فيما استبعد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، الدكتور حسن نافعة، «وجود أي مؤشرات سياسية»، وقال: «أعتقد أنها بلا دلالات خصوصا أن المشير لم يكن مصحوبا بكاميرات تليفزيونية، والمصورون كانوا من المارة والصحفيين الذين وجدوا فى المنطقة بالصدفة». هذا الظهور المتعمد للرجل الذي يحكم مصر الآن، وبهذه الصورة أثار التساؤلات، وما أكثرها في مصر الآن: إذا كان متعمداً.. ما هدفه. أم هو صدفة.. فما مبررها؟ تسويق ورسائل ولأن الجدل يتصاعد، فإن الروايات كثيرة، أحاديث وشائعات غير مؤكدة بأن الرجل كان يحضر فرح أحد أقاربه أو معارفه وبالتالي لم يجر ترتيب الأمر للظهور بالبدلة المدنية لأنه ليس من الطبيعي أن يذهب لمناسبة اجتماعية بلباسه العسكري. مصادر أكدت فعلاً ذلك، وقالت: إن المشير كان في فرح أحد أقاربه وسط القاهرة، بالقرب من ميدان طلعت حرب، وكان المشير يقود سيارته الخاصة بنفسه، ثم ترجل المشير منها وتوقف للحديث مع عدد من المواطنين حيث سألهم عن أداء المجلس العسكري.. ولكن تعليقات فيس بوك وتويتر (من خصوم المجلس العسكري تحديدا لا المواطنين العاديين) جاءت مشككة والدليل الذي استندوا إليه هنا هو حضور كاميرات التليفزيون، ولولاها لما أثيرت هذه الضجة. محللون لفتوا الأنظار إلى حقيقة هامة، مفادها أن من يدقق في جولة المشير المصورة تليفزيونيا سوف يلاحظ أن الرجل كان يسرع الخطى ولم يكن يتعمد الظهور كمرشح رئاسي أو يسعى لتلميع صورته بين المصريين، حيث كان يصافح الناس وهو يمضي في طريقه ولم يتوقف للحديث المطول مع الناس إلا عندما كثر الازدحام حوله، وهو أمر يحتاج لتحليل مضمون الفيديو. الأهمّ الآن هو الرسائل الخفية من الصورة، بعضها إيجابي لخصه قارئون للوضع الراهن في ضرورة تغيير نمط التعامل بين الحاكم المقبل والشعب، كذلك طمأنة المصريين والعالم بأن الأمور طبيعية جداً وأن الأمن مستتب ولا خلاف بين المجلس العسكري والشعب، وأن الجيش حريص على صورته في الشارع كحامٍ للثورة. السؤال الأهم الذي يشغل بال مصر الآن: هل فعلاً هناك نيّة أو ترتيب لسيناريو معين يتولى بموجبه المشير الرئاسة بزي مدني، كحل وسط لإنهاء مشكلة الحكم في مصر، وهو ما يعارضه كثيرون ويتخوفون منه؟ الإجابة الفورية حتى الآن، وحسب محللون هي لا بوادر على ذلك، خاصة وأن الرجل سيبلغ ال76 من عمره في 31 أكتوبر المقبل، وهو سن نعتقد أنه لا يؤهل صاحبه لذلك، كذلك أنه لو توافرت النية لدى العسكر لحكم مصر فلماذا الاستعدادات المكثفة لتغيير وتعديل قوانين الانتخابات المدنية لعقد انتخابات البرلمان والرئاسة.. وهل المشير سيعين نفسه رئيسا؟ أم سيضطر لترشيح نفسه مثل المرشحين ال 13 الآخرين؟ وهو بالتالي مجهول لا يضمن له الفوز. في كل الأحوال.. السؤال كغيره من الأسئلة لا يزال قائما، فيما الإجابات لا تزال أيضاً حائرة!