في حلقة مميّزة جداً من برنامج «وجوه إسلامية» استضافت قناة العربية المفكر الإسلامي والحقوقي السعودي د. عبدالعزيز القاسم، وقبل الولوج إلى معالم الحلقة وشخصية الضيف يَجدر بنا التأكيد على أهمية هذا النوع من البرامج وتكثيف دائرتها، واقصد التي تعتني بطرح قضايا وطنية أو مسارات فكرية بعرض حقيقي وشفّاف ومساحة حرة لتداول الرأي فيها لعرض الفكر الإصلاحي المميّز أو الرؤى النقدية للمثقفين السعوديين مع تكثيف حرية الطرح والتداول ومن هذه البرامج الناجحة برنامج – واجه الصحافة – للإعلامي داوود الشريان حقق فيه هذا البرنامج نسب مشاهدة عالية وأتاح فرصاً للجمهور العام للاستماع إلى نخب فكرية منهم شخصية هذا المقال د. القاسم و د. محمد العبدالكريم والشيخ بدر العامر و د. محمد القحطاني وآخرون . وتركيز الشريان على حلقة النخبة في الإقليم الأوسط المهم أن يتحرّك فيه الجدل الموضوعي التواصلي الهادف للوطن في تقديري إيجابي، لأنّه حرّك فعاليات التلاقي والتلاقح الفكري في هذا المجتمع المركزي لعصبية الدولة وبنيتها السياسية والتشريعية وأعطى زخماً لتطوير لغة الثقافة الوطنية الجديدة التي تعتمد على رؤية الشريعة ومقاصدها ومصالح الإصلاح الوطني وضروراته، وليت وزارة الثقافة والإعلام تعتمد برامج بهذا المستوى من التأهيل من خلال شاشات القنوات السعودية ليتحقق هذا النقاش في مناطق المملكة من خلال تليفزيون الدماموجدة وأبها والقصيم وغيرها بذات النوعية من هذا الخطاب وبجدول أوسع لقضايا الإصلاح الوطني والمسارات الفكرية. أمّا الحلقة التي تحدّث فيها د. القاسم فعنصر قوتها انطلق من مسارين الأول شخصية المتحدث وقوة بنائه الشرعي وإطلاعه الفكري وحيوية نظرته التجديدية وتوازنه والثاني مركزية طرحه لبناء الدولة الحديثة، وهو ما جعل من شخصية د. القاسم احد الأركان الرئيسية في تطوير النظام القضائي الذي اعتمده المليك، وسعة اطلاع د. القاسم على المساحة الفكرية المهمة للعالم الجديد وعلاقته بالمجتمع الوطني وتاريخ القاسم وفهمه الدقيق لمعنى كيف نُطبّق الشريعة الغراء عبر البناء الوطني المقاصدي الذي دعت له الشريعة، كل ذلك كان بارزاً في طرحه النقدي عما يجب أن نؤسّس له سريعاً ونحسم ملفاته في برامج تأسيس الدولة الحديثة، لقد عرض د. القاسم حقيقة مهمة تحتاجها كل أدوات التشريع في الوطن، وهي أنّ الرصيد التراثي للتاريخ ومنه مدارس شيوخ الدعوة السلفية يحمل رؤى ومواقف لا تتفق بالضرورة مع الحق الديني وان من الطبيعي أن تُعتبر أي دعوة بأن لها اجتهادات تختلف عن المدرسة الشرعية الكبرى لأهل السنة، فالأصل أن يُحقق التدوين الدستوري والمرجعية الحاكمة على كليات الشريعة ومنهجية السُنّة المقاصدية لبناء التشريع الوطني الحديث المحقق لإسلامية الدولة وعصريتها. لفت القاسم إلى أهمية المصارحة في بعض النقول الخطيرة التي ترد في كتب التراث من تحفيز متشدّد يلغي حق الاختلاف أو الاعتراف أو الرجوع إلى مصادر تشريعية داخل الدائرة الإسلامية ويعطي حق قوله مكانة الكتاب والسنة فلا يُراجع..؟ وينزع إلى لغة خطيرة في منظور التصفية للطرف الآخر أكان في المجتمع أو خارجه، مما يؤسس لبنية تحتية قد تستثمرها ثقافة العنف الدموي أو الفكري أو السياسي ضد الناس والمواطنين، مؤكداً على ضرورة الحسم في هذه المسألة كخلاصة أولى لثقافة التشريع الإسلامي العادل وما لفت له د. القاسم هو قضية محسومة في تاريخ الدول التي تقوم على دعوات فكرية وهي أنّها لا تعتمد تفسيرات محدّدة صدرت في أجواء صراع أو فرص محدودة للاطلاع إنما ترتكز على الفكرة الدينية أو الفكرية الأصلية وهي هنا المشروع الإسلامي المركزي القائم على الدستورية التشريعية لأهل السنة ولقواعد تحقيق مدار العدل والحق في النظم والتشريعات الحقوقية والتنموية، ولفت القاسم إلى أهمية المصارحة في بعض النقول الخطيرة التي ترد في كتب التراث من تحفيز متشدّد يلغي حق الاختلاف أو الاعتراف أو الرجوع إلى مصادر تشريعية داخل الدائرة الإسلامية ويعطي حق قوله مكانة الكتاب والسنة فلا يُراجع..؟ وينزع إلى لغة خطيرة في منظور التصفية للطرف الآخر أكان في المجتمع أو خارجه، مما يؤسس لبنية تحتية قد تستثمرها ثقافة العنف الدموي أو الفكري أو السياسي ضد الناس والمواطنين، مؤكداً على ضرورة الحسم في هذه المسألة كخلاصة أولى لثقافة التشريع الإسلامي العدل. وتعرّض د. القاسم في الحلقة إلى مفهوم شرعي تم تغيّيبه عند حالة الجدل والصراع بين التيارات أو أمام مواجهة سلطة القانون وهي قضية خطيرة جداً على معنى الاستتباب الأمني النفسي للمواطنين والمقيمين، هذه القضية هي حصانة شخوص بعض الأطراف ذات الصبغة الدينية وحمايتهم تنفيذياً أو قضائياً بحجة قيامهم بمهمة دينية، وبالتالي تشريع عدم محاسبتهم ومنع الحكم عليهم بحجة خصوصية انتسابهم الديني وهذا أيضاً ينسحب بفاعلية اكبر على منسوبي أجهزة تنفيذية أُخرى خارج الصفة الدينية، وحذّر القاسم من هذه الحصانة التي يروّج لها عملياً وتحقق ميدانياً وأنها تهدم ركناً أساسياً من أركان الحق المدني للمسلم وغير المسلم من حق القصاص من كل متعدٍ عليه أكان ضمن إطار رسمي أو أهلي. لقد أعطى الفقيه الشرعي والحقوقي د. عبدالعزيز القاسم دليلاً إضافياً لمعنى ثقة الدولة والرأي العام بشخصيته لتحقيق مدارات التقنين الدستوري العدلي للشريعة الغراء، ونتمنى أن هذه القامة وشخصيات فكرية وفقهية معها، يُناط بها من مقام الجهات العليا دراسة مسارات التشريع والتقنين والعوائق التي تعرّضت لها نظام الإجراءات الجزائية وغيره وفي تحقيق مسارات استقلال القضاء وإعادة قراءة القوانين وتقييمها عبر الحقوق العدلية الشرعية وتصحيحها قبل أن تُطبق على الناس وتتجاوز حدود العدل والشرع، وليس هناك شك بأن تحقيق مواثيق النظام القانوني العدلي هو أساس البناء للاستقرار والتقدم للدولة الإسلامية الحديثة.