مثلما شاهد العرب والعالم، محاكمة وإعدام رئيس عربي سابق، هو صدام حسين، شاهد العرب والعالم أيضاً محاكمة رئيس عربي آخر، هو حسني مبارك، مع فارق، أن الأول حوكم وأعدم (ولو بأيد عراقية) تحت حراب احتلال وغزو عسكري خارجي أطاح به، أما الأخير فإنه يحاكم تلبية لضغوط شعبية بحتة أفرزت ثورة أسقطته وأركان نظامه. سيّان قال البعض، إن المحاكمة إجراء طبيعي لمرحلة ما في مصر، أو أنها تبرئة ذمة للمجلس العسكري أمام الشعب ومحاولة منه لاستعادة الثقة من جديد، فالمحاكمة قد بدأت، ولكن السؤال الأكثر إلحاحاً في هذه اللحظة الحساسة والدقيقة، والذي عبّر عنه محللون ومراقبون للوضع المصري: "هل الإسراع في المحاكمات او في بدئها فعلياً (الأربعاء) يهدف لاحقاق العدالة التي كثيرا ما تشدّق بها كثيرون، أم لإرضاء الخائفين من صفقة داخلية وإقليمية تحقق إصلاحات تجميلية من دون ان تحقق لهم مكاسب فعلية، أو ايضاً الانتقام. وهو شعور طاغٍ هذه الأيام كثيراً على قطاعات شعبية مصرية واسعة". بالطبع، لا أحد يملك أجوبة نهائية، ذلك أن كل الاحتمالات واردة: العدل والظلم والانتقام والتشفي وتصفية الحسابات، وغيرها من الدوافع أو الرغبات، والتي تنتشر وسط قطاعات عديدة من التيارات السياسية المصرية. بعضها صادق في أمنياته وتحركاته، وبعضها للأسف يستغل الفرصة ويتاجر حتى بدماء الشهداء، وصورهم. لا ينكر أحدٌ أيضاً أن هناك فئات تعرضت للظلم، في ظل نظام الرئيس السابق، وفئات أخرى تعرضت للإقصاء والتهميش، ولكن الطريق إلى عدالة اجتماعية وسيادة القانون، يحتم بالضرورة اعتماد هذا القانون حتى في التعامل مع من افترض أو تأكد ظلمهم، والانسياق وراء روح التشفي والانتقام لن يؤسس للفكر الجديد الذي أرخت له الثورة الشعبية المصرية، بل سيكون امتداداً لنفس حالة الظلم السابقة. المطلوب إذاً "تقنين" المحاكمة، أي أن تتم حسب قواعد القانون والعدالة، لا "تسْييسها" فتكون تلبية للأهواء السياسية، وليس جعلها مرتبطة برغبات ونزوات شارع ما زال يفور ويموج بالعديد من التوجهات الخطرة، فإعدام شخص لن يحل المشكلة، لو كان بلا أساس، أو كان امتثالاً لنزوات انتقام أو استجابة لمطالب شخص أو تيار بعينه. المفروض أنه في مصر "الجديدة" تتغير الصورة، ربما تمثل هذه المحاكمات الشيء الكثير في مرحلة ما بعد مبارك، وربما تكون محاكمته هو شخصياً بعدالة وبنزاهة، هي أول خطوة في المشوار المصري، وقد تكون وسيلة لنشر التسامح وبناء الدولة من جديد على أُسسٍ تراعي جميع أبنائها، دون أن تكرر الغلطة العراقية. كلنا نأمل لمصر الخير، ونرجو لشعبها كل الخير والازدهار.