بالقليل من المفردات والكثير من المعاني تؤثث الشاعرة المصرية هبة عصام قصائدها في ديوانها الثاني الذي جاء تحت عنوان موح ومشع يكاد يكون قصيدة بحد ذاته هو (أن تأكلنا الوردة). لن تجد وأنت تتصفح وتقرأ قصائد الديوان العشرين التي يغلب القصر على أغلبها أثرا للعيوب المزمنة لقصيدة النثر العربية من الاستعراض اللغوي أو افتعال الأخيلة أو الصور الذهنية أو حتى تقمص ثقافة أخرى لا تنتمي للشاعر ولا ينتمي الشاعر لها. كما أن قصائد الكتاب غير مقتصرة على البعد الذاتي كما هو حال أغلب تجارب الشعراء الشباب حاليا بل إن للآخر حضوره البارز في ثنايا الكتاب. وكشاهد على ذلك فإن عنوان هذه الزاوية مقتبس من قصيدة (عم جرجس) الذي قضى نحبه في حادث كنيسة القديسين بالإسكندرية كما يشير إلى ذلك هامش القصيدة. إن الثقافة والبيئة التي تنتمي لهما الشاعرة ينعكسان بجلاء في جل قصائدها بحيث سندرك دون كبير عناء أنها تنتمي للثقافة والبيئة المصريتين حتى لو لم يكن لدينا علم مسبق بذلك؛ ففي قصيدة (سهرة المتوحد) على سبيل المثال نقرأ عن «كشك يغمض شباكه مبكرا» كما نبصر «كوب شاي مع صوت نجاة: بس وحياة اللي فات»، وفي قصيدة (صورة) نقرأ عن «النيل، الأغنيات، أدخنة النارجيلة». لا يفوت الشاعرة أن تحتفي بالأشياء البسيطة العابرة التي ما إن تولد حتى تسارع بالأفول، ولا يعني ما سبق أن الشاعرة تنسى أنها أنثى، أو أنها تنفي أنوثتها؛ فمنذ القصيدة الأولى (مرآة) تصادفنا هذه العبارة المتحشدة « أعاقب المرآة بتكوين جديد/ أحشد حوافها بتساؤل شبق). وفي نص آخر تخاطب حبيبها بقولها «لا أراك، لا أسمعك، لكن وجودك شفاف وقاتل». ولا يفوت الشاعرة أن تحتفي بالأشياء البسيطة العابرة التي ما إن تولد حتى تسارع بالأفول، كما نرى في قصيدتها (تلامس) حيث تقول «الله!/ الفقاعات بباطن كفي/ في بركة من زبد البحر../ هل للاحتضار نشوة؟!!»، وحيث تقول في قصيدة أن «الجدران كما هي/ أعقل من أن تنفرط بين أصابع الثانية فجرا». ولا تخلو نصوص الشاعرة من حس السخرية اللاذع حين تخاطب رجلا ما، على سبيل المثال، بقولها «حريتك حساب مفتوح من السماء/ حريتي قرض بنكي بفائدة مركبة».