إن وجود مكتبات عامة لها روّادها.. وتوافر المتاحف والمسارح ودور السينما ووسائل النشر والاعلام.. وتعدد وتنوُّع الانتاج الأدبي والفكري بغزارة، وتعدُّد المنابر المعرفية في أي مجتمع. تعدُّ مقياساً دقيقاً لمستوى رقي هذه الأمم وحضارة شعوبها. أما الشعوب التي تعاني من الافقار الثقافي المطلق والتخلف العلمي.. مجدبة في معرفتها، تتشقق من حمأة دهر ثقافتها.. فإنها شعوب متخلفة.. بائسة مقحطة جرداء، تعيش ثقافياً على فائض وحسنات الغير.. لا تفقه من الحياة شيئاً. تعيش في بدائية الحياة.. منغمسة في أنماط الانتاج المبتدئة.. تكرر وتجتر ذاتها. وتعاني من التشظي والتشرذم الاجتماعي والفئوي.. تتشدق بتاريخها مهما كان افتقاره وفقره. لا ترى في مجرى التاريخ سواه، لكونها لا تفقه ما يدور من حولها.. وتبقى دائماً متلقية. يقول الجاحظ وهو يوصي بالقراءة والمطالعة. الكتاب هو الجليس الذي لا يطريك. والصديق الذي لا يغريك. والرفيق الذي لا يملك. والكتاب هو الذي إذا نظرت فيه أطال امتاعك، وشحذ طباعك، وبسط لسانك، وجوّد لسانك، وجوّد بنانك. وفخّم ألفاظك وسرّ صدرك. ويقول أحدهم عن فوائد القراءة: طرد الوسواس والهم والحزن. اجتناب الخوض في الباطل. الانشغال عن الباطلين واهل العطالة. فتق اللسان وتدريبه على الكلام والبُعد عن اللحن والتحلي بالبلاغة والفصاحة. تنمية العقل وتجويد الذهن وتصفية الخاطر. غزارة العلم وكثرة المحفوظ والمفهوم. نحن بحاجة إلى مراعاة الذوق العام في حواراتنا وتنمية مفهوم ثقافة الحوار.. لابد من تثبيت منهج الحوار الصحيح وخلق بيئة ثقافية تتناسب مع مستوى الوعي العام والوعي الخاص.. وبالعموم ومن أجل بلوغ غاياتنا ومقاصدنا، فإن مقتضيات الفهم (تتطلب إعطاء القوس لباريها) أي لابد من الاستفادة من أصحاب الاختصاص، ومن لهم خبرة أو متابعة في أية قضية كانت. الاستفادة من تجارب الناس وحكم الحكماء واستنباط العلماء. إلى آخر ذلك من الفوائد. ويقال أيضاً: (أعز مكان في الذي سرج سابح.. وخير جليس في الزمان كتاب). هكذا، نلمس من هذه الإشارات، طبيعة الجو المناسب لهذه المعطيات المتنوّعة، وذلك التنوُّع القيمي للقراءة.. وعلى الرغم من قصر عمر التعليم النظامي (أي الحكومي) في بلادنا.. فإن المحصٍّلة الواقعية هي المزيد من تقلص آفة الأمية بشكل ملحوظ.. ومع أن الاحصائيات تشير إلى أن الكثير من معارض الكتاب والتجمعات الثقافية التي تقام هنا وهناك في العالم العربي، تعتمد في مشترياتها وفعالياتها بالأساس على الروَّاد من السعوديين. مع كل ذلك، ما زلنا نعاني من الأمية الثقافية.. ونفتقر إلى الأسلوب والمنهج في حواراتنا كلها. ولا غرابة في أن تكون بعض المواقف مبنية على جهالة وحالة انفعال ومواقف شخصية - أحياناً - تكون متطرّفة. ففي السجالات والحوارات في مجالسنا، وفي أجواء مناقشاتنا لكل القضايا مهما بلغت سخونتها واهميتها.. يحدث في ذلك (العجب العجاب).. فالإشكالية الأهم: كوننا نفتقر إلى حسن الإنصات، في فضاء معرفي تنقصه الجدية بالحوار. فأثناء النقاش، الجميع يتحدثون بنفس الوقت وبدون تنظيم، فموقف النقاش تعتريه الفوضى واللامبالاة. وكأن الغاية من ذلك اثبات الذات عبر أحاديث متنوّعة وحدوث قفزات على تسلسل النقاش، وطرح مواضيع غير مترابطة ولا متجانسة.. وكأننا في جوقة سجال غير منظم من أحاديث فلاحات إيطاليات كما يصفهن (الفيلسوف بليخانوف). ومع الأسف.. أثناء تداول أية قضية مهما كان نوعها وحجمها.. الجميع يصبحون خبراء (لا يشق لهم فيها غبار) مع أنها قضايا متشعبة، لا يلمون بتفاصيلها، ولا يتابعونها حتى في الصحافة على أقل تقدير. ففي مجال السياسة والأحداث المختلفة، يحللون الأمور بجهل مطبق. يطرحون ما يسمعونه من خلال ما يُنقل إليهم عبر النقل الشفوي. ولمجرد أنها تتفق مع رغباتهم وميولهم، فهي بالنسبة لهم أمور قطعية ونهائية.. حتى ولو انعدمت الأرضية الصحيحة والمناسبة للفهم، أو افتقرت إلى الخلفية المعلوماتية المتكاملة.. لا يبذلون أي عناء يمكن أن يقودهم إلى التحليل الصحيح بما يتوافق مع المنطق.. ولا يتابعون بجدية (لأنهم يفتقرون إلى ذلك المنهج). ونفس الشيء بالنسبة للرياضة.. يفقهون بقضاياها أكثر من المسئولين والمدرِّبين. يحللون ويفندون الأمور بطريقة (عجيبة غريبة) وبالشكل الذي يرضي توجُّهاتهم.. وبنفس المقياس.. يتناولون الطب والعلوم وغيرها.. إنهم رغم الجهالة الموضوعية يحاولون فرض أنفسهم على هذه المواضيع.. لا يتورّعون الخوض في هذه المجالات في منتهى الثقة، دون محاولة الاستفادة من أصحاب الاختصاص. طبعاً، ليس القصد هنا ممارسة اللجم والمصادرة على أي مخلوق. ولا أحد يُنكر عليهم حق التعبير عن وجهات نظرهم، ولكن المفروض أن يكون ذلك بحدود المعرفة.. نعم قد يبدعون في بعض المجالات ويمكن الاستفادة منهم. نحن بحاجة إلى مراعاة الذوق العام في حواراتنا وتنمية مفهوم ثقافة الحوار. لابد من تثبيت منهج الحوار الصحيح وخلق بيئة ثقافية تتناسب مع مستوى الوعي العام والوعي الخاص. وبالعموم ومن أجل بلوغ غاياتنا ومقاصدنا، فإن مقتضيات الفهم (تتطلب اعطاء القوس لباريها) أي لابد من الاستفادة من أصحاب الاختصاص، ومن لهم خبرة أو متابعة في أية قضية كانت.