أعادت العملية الإرهابية في النرويج، قبل أيام، الكرة مرة أخرى إلى ملعب دول العالم فيما يتعلق بمضمون مكافحة الإرهاب، والصورة النمطية التي تكونت في السنوات الأخيرة، خاصة بعد أحداث سبتمبر المشؤومة، والتي حاولت فيها قوى غربية بعينها إلصاق التهمة بالعرب وبالإسلام تحديداً. فالجريمة التي ارتكبها شاب اسمه أندرياس بريفيك، تكشف حجم التطرف السائد في الذهنية العامة، في الغرب هذه المرة، حيث لا وجود لقضايا معقدة مثل فلسطين، أو الشرق الأوسط، أو العراق أو الصومال، ذلك أن هذا البلد الاسكندنافي، يمثل مع السويد والدانمرك وفنلندا.. كتلة ارتياح تشعر بها بلا عقد، حيث الحريات متوافرة بشكل غير محدود، وحيث حجم الرفاهية متوافر لأي شخص، وفي أي شيء دون ضوابط دينية أو اجتماعية. أوروبا التي ادعت طويلاً، ومعها الولاياتالمتحدة، بأنها محصنة ضد التطرف الديني، باتت هي الأخرى مزرعة ملوثة للعديد من الأفكار التي سبق وأن سادت على يد جماعات عنف وتطرف اتخذت أشكالاً عديدة، بعضها رأى أنه يقود محور المدينة الفاضلة، كما حاول الأمريكي تيم جونز قبل أربعة عقود تقريباً، وبعضها رأى أنه يحمل لواء الحقيقة المطلقة، كجماعات بادر ماينهوف في المانيا والألوية الحمراء في إيطاليا، تغذيها بالطبع معتقدات وأفكار عنيفة إن لم تكن بلطجة مخجلة، شوهت وجه القارة العجوز وضرب كل قيمها في العمق. الالتفاف الغربي على أحداث سبتمبر وتطويعها لتكون وسيلة إدانة جاهزة ضد العرب والمسلمين، نجح إلى حد كبير في تشويه صورتنا، لكنه في المقابل تغاضى عن بذور تطرف بدت واضحة للعيان على الأرض الأوروبية، اعتبرها البعض رداً طبيعياً مؤقتا، فيما عكست الإجراءات التالية توجهاً مؤسفاً تغاضى عن كل مثالب الغرب وقيمه الحضارية ليقع في فخ التصنيف والأحكام المسبقة، لتكون غلطة "الشاطر" الأوروبي هنا قاتلة، لأنه لم يحسب حساب ما ينمو على ارضه، ولم يواجهه بقدر ما يتشدق في مواجهة أي شيء عربي أو مسلم تحديداً. وهنا، لم يكن غريباً، أن يعتبر أندرياس بريفيك نفسه "الصليبي المخلص" ولم يكن غريبا أن يتشابه في معتقده الفكري، وتوجهه السلوكي مع جماعات العنف والإرهاب كالقاعدة مثلاً.. بريفيك فجر الأبرياء منطلقاً من رؤية دينية معينة، ربما تكون هي نفس الرؤية التي برر بها رجل مثل أسامة بن لادن معظم ما يقوم به من تفجيرات وأعمال عنف، وما يسمّيه البعض "الجهاد" و"الجهاد المضاد". بريفيك، لم يجد غضاضة في الاعتراف بحلم إعادة الحروب الصليبية، وأحلام البابا أوربان الثاني.. وهو نفس التطابق مع أفكار جماعات العنف التي ترى في أفعالها بداية لاستعادة الدولة الإسلامية الأولى، ليسقط الجميع في جريمة إزهاق أرواح بريئة لا يهم ديانتها أو مكانها أو لون بشرتها، ليتضح للجميع ما سبق أن نادينا به، وما سبق أن بح صوتنا لتوضيحه.. الإرهاب هو الإرهاب، لا دين له، ولا جنسية ولا لغة.. هل فهمها الغرب الآن؟