بضع ساعات وترسو بنا سفينة الزمن على مرافئ شهر من أعظم الشهور ألا وهو شهر رمضان المعظّم وهو الذي شرفه الله عزّ وجلّ بنزول القرآن وليلة من أفضل الليالي وهي ليلة القدر ، حيث قال تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) صدق الله العظيم. ولكن للأسف أن البعض يعتقد أن شهر رمضان هو شهر النوم والكسل والسفر إلى بلاد ترقد على ثلوج تذيب حرّ الصيف ، هروبا من حرّ الرياض الذي يكوي الجباه والجلود ويجفف الحلوق والشفاه عطشا، وكأنهم لم يعلموا أنه شهر القيام والقرآن والعبادة بل والعمل والذي هو خير عبادة. فالعمل قيمة تحوي في طياتها كل معاني الحياة ولكنها تعظم في شهر رمضان الكريم، ويتضاعف بسببه الثواب لأنه يتجلى فيه الصائم ويصل أعلى درجات النقاء والرقابة والشفافية والإخلاص والجودة وهذا لعمري لهو الركن الركين في تسيير أي عمل فردي أو مؤسسة أو شركة. ومن أجمل الأحاسيس التي تغمر الصائم هو إحساسه بالفقراء وباحتياجاتهم فيتقاسم معهم معنى الحرمان والحاجة. ومع هذا كله تجد في الصيام صحة للأبدان وهذا ما جاء في السنة النبوية لسان الرسول صلى الله عليه وسلم (صوموا تصحّوا) وقد جاء بعده العلم ليثبت صحة هذا الحديث، حيث إن كثيرا من الناس الذين يعانون أمراضا بسبب أو بآخر يجدون في الصوم شفاء طبيعيا ناجعا يكفيه سموم الأدوية والتداوي ومع كل ذلك دفوعات مادية. ومن أجمل الأحاسيس التي تغمر الصائم هو إحساسه بالفقراء وباحتياجاتهم فيتقاسم معهم معنى الحرمان والحاجة فيرقّ قلبه ويلين جانبه، فيجد نفسه راغبا في التصدق على الفقراء والمساكين، الأمر الذي يجعله أكثر توادّا وأكثرا تراحما في هذا الشهر من أي شهر غيره. كما أن شهر رمضان يوفّر فرصة كبيرة للإقلاع عن أي عادة سيئة سواء كانت سلوكية أو ضارة بالصحة، وبالتالي يفوّر الإنسان عقله للتفكير ما هو أسمى من ذلك وأنفع له وللبشرية سواء كان عالما تطبيقيا أو عاملا مهتما أو مثقفا كان يشغل نفسه بأشياء على حساب أشياء أخرى. أعود فأقول، يجب أن نعلم أن شهر الصوم هو دعوة للعمل الجاد ولإحياء ثقافة العمل والتفكير العلمي, وليس شهرا للكسل والتواكل والجلوس أمام التليفزيون ليلا ونهارا فديننا الإسلامي الحنيف جاء بموقف واضح من العلم ومن التعلم ففي القرآن الكريم آيات كثيرة تحض على التعلم وعلى اللحاق بركب التقدم (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون, إنما يتذكر أولو الألباب) .. «الزمر». (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير) (المجادلة). وهذا من شأنه أن يجعلنا أكثر استعدادا لاستيعاب الإسلام الذي أطلق المجال واسعا أمام العقل الإنساني ليعمل ويجرب ويفكر ويصنع التقدم الحضاري والتكنولوجي الذي نريده ولا ننسى أن شريعة الإسلام ترفض بشدة التخلف بكل أشكاله وتدعو للتفكير العلمي والرسول قد قالها صريحة أنتم أعلم بشئون دنياكم، فعلينا أن نجعل من شهر رمضان رحلة روحية وعملية نسوح فيها ونقف من خلالها على مواطن الخير والعمل الجاد.