عندما عزمت على زيارة منزل الراحل شاكر الشيخ لعمل تحقيق مع افراد اسرته وابنائه واخيه خالد كانت الاسئلة تتزاحم من اين ابدأ وفيم نتحدث عن انسانيته او ابوته او ثقافته او اهتمامه بابنائه وزملائه؟ تراكمت الأسئلة وانا في الطريق الى منزله في مخطط الجلوية بالدمام كنت برفقة شقيقه خالد الاعلامي وصاحب رواية «يوم التقينا يوم افترقنا» كانت الساعة الخامسة موعدا للقاء بحضور ابنائه الثمانية وشقيقه. بعد ان جلسنا دارت عيني في أنحاء المكان كان يجلس هنا، يتحدث هناك يتصفح احد الكتب، وعلى ذلك الكرسي يجلس عندما يجتمع مع أبنائه الثمانية، أبناؤه الذين رأيت فيهم وفي نظراتهم واستقبالهم أن شاكر الشيخ لم يرحل، مازال هنا يتحدث يبتسم ويبحث بين أرفف مكتبته عن كتاب ما، رغم انه لم يعبأ ان يترك كتابا يحمل اسمه، تحدث الجميع وكان المحور ان شاكر الأب والصديق والمعلم كان منارة للحب والثقافة، كان الحديث ينتقل من بدر الى رائد ثم فراس حتى محمد وآخر العنقود طلال، جميعهم قالوا لم يكن والدا او أبا لنا فقط، بل كان ابا للجميع. كبير في ثقافته وأكبر في أخلاقه في البداية تحدث الابن الأكبر للراحل شاكر الشيخ بدر قائلا: من الصعب ان نتحدث عن شاكر الشيخ الأب والصديق والأخ, فقد فقدت إنسانا كبيرا طالما رأيت حبه للناس وحبهم له من كل إنحاء المملكة وخارجها، كان كبيرا في ثقافته وكبيرا في أخلاقه وكبيرا في ترك مساحة من الحب والصراحة والشفافية بينك وبينه، منذ صغري وأنا أرى المثقفين والأدباء والشعراء يرتادون البيت ويجلسون مع والدي في مكتبته التي تزخر بكل أنواع الكتب من شعر وفن وموسيقى واقتصاد وسياسة، وقد التقيت بالعديد من العمالقة ومنهم: الشاعر محمد العلي والشاعر علي الدميني والكثير من الشخصيات سواء من المملكة أو خارجها. أم بدر: علمني كل معنى جميل في الحياة كان ينصحني ويرشدني لانجاز الحلول السليمة في مهنتي ويساندني اذا تعرضت لأي مشكلة.. كان يعطيني كل وقته للإنصات والاستماع لي، لم يقصر في حقي قط كل ما كنت أتمناه ولا أتمناه أجده في حوزتي ويتابع بدر: كانت هناك علاقة حب وهوس بين والدي وبين الثقافة، حيث كانت بدايته الثقافية مراسلا لإحدى الوكالات، وكان المسئول الثقافي لنادي النهضة والذي كان اسمه في السابق «السلام»، كان راتبه يصرفه على شراء الكتب حتى لو كان ذلك على حساب ان يتناول الطعام، هي علاقة لا يعرفها ولا يحس بها إلا المثقفون الذين عشقوا الكتاب والثقافة. ويضيف بدر: كانت علاقته الاجتماعية مميزة سواء على مستوى العمل أو خارجه وهو أول شخصية سعودية تقوم بمونتاج وإخراج صحيفة سعودية، حيث إنه -وهو صديق للجميع- يمتلك أسلوبا في الإقناع دون ان تشعر بالإحراج او الانزعاج، وحدث معي أكثر من مرة، وفي إحدى المرات كان يريدني ان ادرس في الولاياتالمتحدةالأمريكية برفقة أخي الأصغر الذي كان يدرس هناك، أقنعني في البداية بأخذ إجازة من العمل وكنت يومها اعمل في جريدة اليوم في قسم «المونتاج» وهناك مدد لي الإجازة وهو يقول اجلس مع أخيك ادرس تعلم استفد وهكذا حتى امتد الشهر الى شهرين والى سنة، لقد زرع في حب التعليم وحب الموسيقى، وكم كان مسرورا عندما أخبرته بأني في الجامعة أقمت نشاطات ثقافية من مسرح وموسيقى وكأنه حقق بعضا من أمنياته، وسأقوم بجمع كتابات الوالد من شعر ومقالات لتكون كتابا هدية لكل محبيه. يبيع ما يملك من اجل الآخرين فيما تحدث ابنه الثاني المهندس عبدالله، وعبدالله معروف عند العائلة بأنه يشبه الراحل في هدوئه، عن حب الراحل شاكر الشيخ الى العلم بطريقة جنونية ليس فقط لأولاده بل لأي شخص يقابله، كان يحب ان يتعلم كل جديد حتى في آخر أيامه كان يتعلم اللغة الانجليزية بنفسه وأتقنها حتى انه ترجم بعض قصائده من العربية الى الانجليزية، وكان من احد أهداف تعلمه للغة هو السفر الى أخي في بريطانيا، فهو رغم بلوغه الستين إلا انه متجدد ومتفائل ويرى ان الغد أفضل من اليوم ولا يوجد صعب مادام الإنسان يتنفس ويمتلك الإرادة.
وعد: كان حريصا على مساندتي ومؤازرتي في دراستي بمصر وعن الجانب الإنساني يقول عبدالله: كان الوالد يسعى لمساعدة أي إنسان يحتاج للمساعدة وقد رأيت بنفسي كيف كان يساعد الآخرين حتى لو اضطر ان يبيع ما يمتلكه، وكثيرا ما ساعد أشخاصا في علاجهم على نفقته الخاصة، كان كثيرا ما يوصي بالوالدة ويرجع اليها كل النجاحات والانجازات التي حققها في حياته، تعلمت منه كيف أتعامل مع عائلتي سواء الزوجة او الأولاد. كان يتابعني يوميا في الخارج اما سفير العائلة رائد والذي يدرس في بريطانيا فيقول: لقد أوقف الوالد مشروع بناء البيت حتى يرسل أبناءه للتعليم في الخارج كان العمل بالنسبة له الهدف الأول، كان يمتلك نشاطا وإرادة غريبة جدا نحن الشباب كنا نغبطه عليها. عندما كنت في بريطانيا كان يتحدث معي شبه يومي ويسألني عن أحوالي ودراستي، وكذلك يتابع معي إجراء قبول إخواني للدراسة في بريطانيا، وقبل وفاته بيومين فقط قال لي كلمة في إحدى المكالمات ونحن نتحدث عن قرب انتهاء أوراق قبول إخواني للدراسة في بريطانيا، قال لي: رائد ابني «أريد ان ارتاح» فاجأتني الكلمة ووقعت بشكل مؤلم علي، سألته: هل تحس بشيء يا أبي يا أبو بدر؟ قال لا ولكن أريد ان اطمئن على إخوانك، وسبحان الله يوم وفاته اتصلت بالبيت ورد أخي فراس اخبرته بالانتهاء من أوراق دراسته في بريطانيا سألته عن الوالد ولكنه بطريقة ما غير الموضوع حتى لا يخبرني ويصدمني بخبر رحيل شاكر الشيخ الإنسان ابو بدر المثقف يرحمه الله.
طلال: أعدك يا أبي أني سأدرس وسأتفوق ساندني في دراستي فيما تحدثت الدكتورة وعد الابنة الوحيدة لشاكر الشيخ قائلة: الوالد شاكر الشيخ لم يكن أبا عاديا.. كان أبا نادرا يجمع كل الصفات الإنسانية، كان يستمع لأبنائه كأنه منهم لم يكن يتكلم معنا بصفة الأب او الأمر بل كان اخا، كنا نخبره بأسرارنا ومشاكلنا ليجد لنا الحلول، كان يحمل تفاؤلا وحبا وطيبة لو وزعت على العالم لبقي منها الشيء الكثير. وعن السنة التي قضتها معه في مصر قالت: كان الوالد الحبيب حريصا على مساندتي ومؤازرتي في دراستي يسهر معي في امتحاناتي لكي يصنع لي الشاي والقهوة وبعض الطعام كان يشجعني ويعاونني، وحرص على توفير كل سبل الراحة لي كان يرتب لي الأوراق المهمة في ملفات ويكتب على كل ملف العنوان والمحتويات. وتضيف وعد: كانت زميلاتي يحببنه وكأنه والدهن وكن يحسدنني عليه وصدم الكل بوفاته وجاءتني الاتصالات من الخارج ممن قرؤوا الخبر، فعرفت ان شاكر الشيخ كبير بعطائه وحبه ووفائه وصدقه. وتختم وعد: سيظل شاكر الشيخ الوالد والأخ والصديق في قلوب الجميع، فارقد بسلام واعلم ان الجميع يحبك وكان بودي ان ترى هذا الحب والتقدير وأنت على قيد الحياة ولكن وللأسف لا تظهر المشاعر الا بعد فوات الأوان. يحافظ على خصوصية الأبناء اما المهندس فراس وهو شبيه والده كثيرا فيقول: الوالد يرحمه الله كان دائما ما يحسسني ان بإمكاني ان أكون شيئا كبيرا في الحياة، وكان يفرحني كثيرا عندما يناقش او يفكر في حل مشكلة ما وأطرح عليه بعض الحلول ويأخذه وأرى الفرحة مرسومة على عينيه. ويتابع فراس: كان صديقا كنت أبوح له بأسراري الخاصة وكان أهلا لحفظ السر ويحافظ على خصوصية أبنائه وخاصة في الأمور الخاصة جدا، وفي احدى المرات جئته أقول له أبي انا أدخن وأرى ان اتركه فرد علي أنت من اخذ قرار التدخين وعليك ان تتخذ قرار تركه. كان أبي يعيش ويتحرك في الحياة بشعار «لا يأس مع الحياة والدين المعاملة، وحب الآخرين» ولربما هذه الشعارات جعلت منه شاكر الشيخ المثقف والأديب والشاعر والكبير.
محمد: قال لي حبك للناس سيجعلهم يحبون شعرك وفنك علمني الحب والحياة أم بدر زوجة الراحل شاكر الشيخ من خلال ابنها بدر شاكر الشيخ قالت: كان كل شيء في حياتي وعيت على الدنيا وهو بجانبي تزوجته صغيرة. لم يكن فقط الزوج بل كان زوجي وأبي وأخي وصديقي.. علمني وأرشدني.. ثقفني وتفتحت آفاقي ومداركي من خلاله.. علمني الحب والحياة.. التسامح والإنسانية وحب الآخرين. علمني كل معنى جميل في الحياة كان ينصحني ويرشدني لانجاز الحلول السليمة في مهنتي ويساندني اذا تعرضت لأي مشكلة.. كان يعطيني كل وقته للإنصات والاستماع لي، لم يقصر في حقي قط كل ما كنت أتمناه وما لا أتمناه أجده في حوزتي.. أحببته وسأظل أحبه الى آخر يوم في حياتي. رحمك الله يا حبيبي يا أبا بدر. يزرع الحب في الجميع بدر: زرع فينا حب الآخرين وحب الثقافة فيما يذكر محمد والذي يطلق عليه والده «المشاكس اللذيذ»: كان أبي يقول لي دائما: ابني أحب الشعر والفن كما تحب الناس وسوف تكتشف في يوم من الأيام ان الناس أحبوا شعرك وفنك لأنك أحببتهم من كل قلبك. ويتابع محمد: لقد رأيت حب الجميع للوالد رأيت الدموع تغسل الوجوه بفقدانهم الوالد، البعض كان يقول انه إستاذه ومعلمه ومربيه والآخر لم يتمالك نفسه واخذ يصرخ، لقد رأيت الحب والاحترام والحزن الكبير من الجميع من داخل وخارج المملكة، كنت أتساءل مع نفسي كيف استطاع أبي ان يزرع كل هذا الحب وكم من الوقت اخذ حتى يصهر الحب بالوفاء والعطاء والإيثار، ولكني لم أتفاجأ فهو الكبير والأديب والشاعر شاكر الشيخ. وعن اللحظات الأخيرة في حياة الراحل يقول محمد: كان في آخر يوم من حياته يشعر بتعب بسيط وأصر أن يأخذ أخي الصغير طلال لتسجيله في المدرسة، وذهبت معه مررنا بالمدرسة الأولى لم تعجب الوالد ثم الثانية وكان طلال يريد التسجيل فيها لوجود بعض أقربائنا ولكن الوالد قرر تسجيله في احدى مدارس الخبر المتطورة اكثر وخاصة في اللغة الانجليزية، رجعنا للبيت وبعدها بدقائق معدودة اختاره الله، رحمة الله عليه. وفي نهاية اللقاء تحدث آخر العنقود «طلال» مرددا: أعدك يا أبي ان ادرس وانجح وسأذهب للمدرسة التي تريدها، لقد درست في مصر وتفوقت في مدرستي وخاصة في مادة الانجليزي والرياضيات، فاحتضنني وهو يقول «أنت بطل بطل».