الذين قرؤوا (الربيع العربي) من الكاتبات والكتاب يقررون ان الثورات التي حدثت والتي لا يزال بعضها في المخاض.. هي ثورات (ليس لها رأس) وهذا الوصف يبطن موقفا سلبيا يقرب من أن يكون موقفا اتهاميا.. او موقفا خائفا على مصير هذه الثورات من العثرات والمزالق التي تصنعها سرا وجهرا الثورات المضادة. بل الأصح المؤامرات المضادة لا الثورات. لقد اعتدنا طوال تاريخنا على القائد والزعيم والرأس.. وقد أطنب الفارابي في تشبيه المجتمع بالجسد الإنساني فيه الرأس المدبر وسائر الأعضاء المؤتمرة بأمره كذلك اعتدنا حين ننظر الى الثورات التي حدثت في التاريخ البعيد والقريب اعتدنا ان نرى القائد على رأس هذه الثورات. الآن علينا ان نغير هذا الاعتقاد الذي يؤسسه الاستقراء إلى اعتقاد آخر. نغيره من رأس عمودي الى رأس أفقي يسمونه (الشعب) وما حدث اخيرا في ميدان التحرير وسيحدث مستقبلا فيه هو الدليل الساطع على ولادة هذا الرأس في العالم العربي بعد ان ولد في المجتمعات المتقدمة. من هو الرأس: ما حدث اخيرا في ميدان التحرير وسيحدث مستقبلا فيه هو الدليل الساطع على ولادة هذا الرأس في العالم العربي بعد ان ولد في المجتمعات المتقدمةهو من يحقق ما يطمح إليه الشعب من عدالة ومساواة وحرية ومراعاة لحقوق الإنسان.. والرأس بهذه الصفات لا يمكن أن يهبط من الفضاء، إنه الذي يأتي من قلب هذه الطموحات.. أي من الشعب ذاته الذي يرضى به سادنا لطموحاته. اما من يأتي من خارج هذه البوتقة فهو رأس زائف. أعرف أننا لسنا مجتمعا أثينيا يحكم نفسه بنفسه.. فقد أصبح ذلك غير ممكن في زماننا وزمان غيرنا.. ولكن لابد أن يكون الرأس قادما من الشعب كحامل أمانة.. بما للأمانة من قدسية حقوقية وما لقوانينها من وضوح وتحديدات بحيث تسقط هذه القوانين الأمانة منه عند اقل انحراف. إن الأحزاب العتيقة التي تحاول خطف الثورات ستجد الآن في احد شعاراتها وهو الديمقراطية بابا واسعا لتبنيها وادعاء أمومتها.. ولاشك في أن بعض هذه الأحزاب له الحق في مثل هذا الادعاء لأنه ضحى في سبيلها أزمانا مديدة حين كانت في جوانح الغيب.. ولكن بعضها الآخر يحاول تسلق هذا الشعار من دون الإيمان به ليصل إلى قطف الثمار.. ولكن بما ان فترة اللا مبالاة عند الشعب قد انتهت لقد شب عمرو عن الطوق. يقول سارتر (أينما حل الظلم فنحن الكتاب مسؤولون عنه) نعم يا سارتر فالكتاب هم الصوت ولكن القضاء على الظلم يحتاج بالاضافة الى ذلك الى يد وقد نزعت اليد التي هي الشعب قيدها الآن.