«إن النظر للمستقبل والتعامل معه بواقعية، أهم بكثير من الوقوف عند تفاصيل الماضي المرير». نيلسون مانديلا ستة أشهر وبضعة أيام بالضبط، منذ الإطاحة بالرئيس المصري السابق حسني مبارك، وأسرته، في أسرع سقوط هش لنظام عربي، فما بالنا والنظام كان في مصر، أكبر الدول العربية تعداداً، وأعتقها نظاماً، وأشرسها أمناً و»داخلية»! طيلة الأشهر الستة، والمجتمع المصري يعيش تحت وطأة الثأر، من نظام انتهى فعلياً، وبشكل يشبه الحالة العراقية بعد سقوط الرئيس الراحل صدام حسين، المحاكمات العادلة والمراجعات المتأنية ضرورية، لمعرفة لماذا وصلت مصر لما وصلت إليه، بعيداً عن محاولات «الشيطنة» الجارية حالياً، ذلك لأن المسؤولية كانت مسؤولية الجميع، وليس من الشجاعة تعليق كل الأخطاء على شماعة إبليس، دون اعتبار ل»النفس اللوامة» التي ساهمت في «فرعنة» الحاكم!. قرابة شهر عشته حتى الآن، والتقيت فيه مع أصناف ونخب من جميع الأعمار، بدت الصورة ضبابية، الكل يتفق على هدف واحد فقط، ألا وهو رأس النظام السابق وأركانه الباطشة، ولكن كيف يتم تجاوز الأزمة الراهنة، وتحقيق «هدوء الثائر» الذي دعا إليه قبل سنوات الشيخ الراحل محمد متولي الشعراوي، بعيداً عن ثقافة الصراخ والتخوين؟! الذين هتفوا للمجلس العسكري، نادوا مؤخراً بإسقاط المشير، والذين نصّبوا عصام شرف رئيساً للوزراء من ميدان التحرير، عادوا وهتفوا لإسقاطه، حالة شيزوفرينيا «ثورية» لا مثيل لها، تسود المجتمع المصري، خاصة أن الأرض لم تعد تنتج «لبناً وعسلاً» كما تصوّر الجميع أنها يمكن أن تتحقق بزوال مبارك ونظامه. هدوء الثائر الحق يتطلب الآن التوافق حول مانديلا مصري، يستطيع قيادة البلد، وإنهاء حالة «الأبارتهايد» السائدة، وإعادة بناء مصر ما بعد الثورة، بما يلبّي طموح جميع المصريين، الكل يختلف على الكل، كما في الفيلم الشهير، كرامر ضد كرامر، والجدل حول الدستور أم الانتخابات التشريعية يعيد حدوتة البيضة أم الدجاجة. هدوء الثائر الحق.. يتطلب الآن التوافق حول مانديلا مصري، يستطيع قيادة البلد، وإنهاء حالة الأبارتهايد السائدة، وإعادة بناء مصر ما بعد الثورة، بما يلبّي طموح جميع المصريين، الكل يختلف على الكل، كما في الفيلم الشهير، كرامر ضد كرامر، والجدل حول الدستور أم الانتخابات التشريعية يُعيد حدوتة البيضة أم الدجاجة.وبالمناسبة فقد وجّه الزعيم التاريخي نيلسون مانديلا، رسالة إلى ثوار مصر وتونس، ونشرها الجمعة على موقع الحوار المتمدن، قال فيها «إن إقامة العدل أصعب بكثير من هدم الظلم».. وأضاف «إن إحقاق الحق أصعب بكثير من إبطال الباطل». وأوضح أن «معظم الوقت مهدر في سبّ وشتم كل من كانت له صلة تعاون مع النظامين البائدين، وكأن الثورة لا يمكن أن تكتمل إلا بالتشفي والإقصاء» ثم دعا الجميع لتذكّر أن أتباع النظام السابق في النهاية مواطنون ينتمون لهذا البلد، قائلاً: «إن احتواءهم ومسامحتهم هي أكبر هدية للبلاد في هذه المرحلة». المناضل الكبير قال أيضاً: «إن النظر إلى المستقبل والتعامل معه بواقعية، أهم بكثير من الوقوف عند تفاصيل الماضي المرير.. أذكر جيداً أني عندما خرجتُ من السجن كان أكبر تحدٍّ واجهني، هو أن قطاعاً واسعاً من السّود كانوا يريدون أن يحاكموا كل من كانت له صلة بالنظام السابق، لكنني وقفت دون ذلك، وبرهنت الأيام أن هذا كان الخيار الأمثل، ولولاه لانجرفت جنوب إفريقيا إما إلى الحرب الأهلية أو إلى الديكتاتورية»، ثم لخّص الأمر.. «إنها سياسة مُرّة لكنها ناجحة». تُرى.. هل نفهم الرسالة؟! [email protected]