من مشاهد الزمن الجميل في واحتنا الأحساء العريقة كان عُمد القرى وأعيانها يتسابقون أيهم يبشر سمو أمير الأحساء سعود بن جلوي بنضج الرطب الطيار حين تطلع بواكير نخيلاتهم بهذا الثمر الثمين والعزيز على نفوسهم بعد موسم طويل من عمار الأرض وإعدادها بالحرث والتسميد والمداومة على الري وصنوف الرعاية , فالنخلة هي محور اجتماعهم ومحفز توافدهم من كل الجنبات إلى هذه الواحة , فمن نخيلها قوتهم وفيها مصدر رزقهم ومنها أدواتهم وسقوف منازلهم ووقود نارهم , لذلك ظل مقياس الثروة والتفاخر بالنخلة هنا كبيرا في حجم أعدادها وأصنافها ومساحات الأراضي المزروعة عليها والمقومة « بالمغارس التي تعادل 36 مترا الآن « ولعل أبلغ صور التفاخر ما ذكرته أعلاه حين يتصدر مجلس الأمير الحديث عن بشارة الموسم وتوزع فيه على الحضور بواكير الرطب وإن قل عدد حباتها إلا أنها بشارة يستحق ذكرها في المجلس الأول في المنطقة والتي ظلت مصدرا كبيرا ومهما لإنتاج تمور تصل إلى كل المدن والأسواق في الجزيرة العربية وغيرها خراجا كما في تاريخ النبوة الشريفة أو غيره من مسارات التصدير أو» الصوغة « كأجمل ما يقدم من هدايا , فالقوافل كانت لا تنقطع أبدا من وإلى الأحساء تحمل التمر إلى مريديه بل قيل في المثل وصفا لمن أضاع جادة الفكر وصرف الجهد والعمل دونما فائدة « كجالب التمر إلى هجر « تأكيدا بأن هذه الأرض هي الأكثر جدارة بإنتاج التمور وتسويق أصنافها المختلفة من الخلاص والشيشي والرزيز وغيرها , حقيقة الأمر آن منظومة إنتاج التمور في عموم المملكة تحتاج إلى إعادة نظر بشكل عام وشامل لوضع التمور على خارطة السلع الإستراتيجية الممكن التعامل بها في التبادلات التجارية. كذلك تفعيل الأبحاث المرتبطة بصناعة التمور ومشتقاتها وبشكل جدي أما الآن فقد جلبت التمور فعلاًً إلى هجر بعد آن تصدر غيرها واجهة الإنتاج والتفنن في أساليب التعبئة والتغليف وتصنيف التمور وتقييسها تبعا لمعايير عالمية في هذا المجال فحقيقة لم نكن وحدنا سواء في المملكة أو في العالم من يتقن مهمة إنتاج التمور والتي ظلت بيننا مجرد ممارسات فردية وفي حيازات صغيرة لا تحفز على التطوير بل يتكفل المزارع بكل المهام إنتاجا وتسويقا دونما خبرة أو إلمام بما يدور في الأسواق وما آلت إليه صنوف العرض فيها من تطوير مستمر وتنوع في الإنتاج جعل بعض الأصناف مثل « المجدول « المصنف كنخب أول عالميا يباع بأسعار خيالية تعادل أضعاف سعر الكيلو الواحد من تمورنا المحلية والتي أصبحت عوائدها لا تسد مجرد تكاليف الإنتاج فقد لاحظ البعض هذا العام توجها نحو عدم تلقيح بعض أشجار النخيل حدا للصرف عليها وخفضا للكميات المعروضة وأملا في زيادة ولو بسيطة في الأسعار , وحقيقة الأمر أن منظومة إنتاج التمور في عموم المملكة تحتاج إلى إعادة نظر بشكل عام وشامل لوضع التمورعلى خارطة السلع الإستراتيجية الممكن التعامل بها في التبادلات التجارية كذلك تفعيل الأبحاث المرتبطة بصناعة التمور ومشتقاتها وبشكل جدي حيث أن الكثير من الأبحاث التي قدمتها جهات محلية مثل مراكز أبحاث النخيل والأطروحات التي تناولتها ندوات النخيل العالمية المتتالية التي عقدت في جامعة الملك فيصل قدمت دراسات لا تزال حبيسة الأدراج رغم أن الإضافة العلمية والتقنية هي مضمار النمو وزيادة الموارد فقد سمعنا عن ميكنة للإنتاج وكذلك إدخال التمور كمادة أولية في صناعات عديدة أو حتى التحول إلى أصناف منافسة عالميا إلا أن أمر التمور واقتصادياتها تراوح محلها ساكنة أو يمكن القول متراجعة عن تلك الصدارة أيام أجدادنا سوى آن « المناسف الخوصية « المخصصة لتعبئة التمور تحولت إلى عبوات مفرغة الهواء بينما على الجانب الآخر توسعت الأسواق حولنا وسبقنا إليها من سبق بالتطوير والتحديث , والأمل الآن في مدينة الملك عبدالله للتمور التي تعد أمانة الأحساء لإنشائها لغرض الاهتمام بصناعة التمور وتسويقها وتطوير آليات إنتاجها بصناعة ثقافة عامة حول هذا الجانب , وحيث تحفنا الآن بدايات موسم الرطب بعد أن تباشرنا ببواكيره وعمت أسواقنا وجنبات مزارعنا مشاهد الباعة ممن يعرضون أعز منتجاتنا المحلية على قوارع الطرق ببدائية تنفر المتذوق غالبا وتسيء للمنتج وموطنه ونستعد لاحقا في أواخر شهر سبتمبر لجني مليون طن من التمور من مختلف مناطق المملكة , أعود وأقول: إن حجم ما ينفق على مشاريع الري وتوفير المياه وبرامج الإرشاد حجم كبير جدا من الجهد والأموال ويستلزم أن تستثمر كل هذه الجهود إضافة لما يبذله المزارعون لصناعة تنمية مواكبه للطموح العام ومتوافقة مع ذوقية الأسواق العالمية واستغلال معطيات النخلة المتنوعة في العديد من الصناعات لتحقق النخلة عودة مؤثرة في اقتصاديات البلاد ومواردها . [email protected]