كانت المختارات التي يقدمها الشعراء والتي تتضمن الخصائص والنصوص التي حازت على إعجابهم ونالت على رضاهم بمثابة التقليد القديم والممتد والضارب بجذوره في العديد من الثقافات الإنسانية.نتذكر هنا على سبيل المثال حماسة أبي تمام الشهيرة وديوان الشعر العربي لأدونيس .تلك المختارات أو الأنطلوجيات،بحسب اللفظ الأجنبي الشائع تعكس في الغالب ثقافة وذوق من يقوم باختيارها وتعطي انطباعاً عن ميوله الجمالية وتفضيلاته الاستاطيقية. وعادةً ما تكون تلك المختارات بمثابة الخلاصة أو العصارة لأجمل ما يضمه تراث هذا الشاعر أو ذاك . غير أن بعض الشعراء قد لا يكتفون بتراث أمتهم الشعري ، بل قد يتعدى نطاق اهتمامهم إلى التراث الشعري الإنساني بمجمله مما يجعل المهمة أكثر مشقة والتحدي أكثر صعوبة . كان حافزه الرئيس لفعل ذلك كما نص عليه في مقدمته أن يكون له إسهامه الفعلي في «مملكة الشعر» ليس عبر التنظير والكتابة النقدية البحتة ولكن عبر الجانب التطبيقي مثل هذه المهمة الصعبة تصدى لها الشاعر البولندي تشيسلاف ميوش ، الحائز على جائزة نوبل للآداب ،في كتابه «كتاب الأشياء المشرقة» والذي اختار فيه 300 قصيدة من أفضل القصائد العالمية التي كتبت عبر العصور للعديد من الشعراء الذين ينتمون لثقافات وحضارات ولغات مختلفة،وكان حافزه الرئيس لفعل ذلك كما نص عليه في مقدمته أن يكون له إسهامه الفعلي في «مملكة الشعر» ليس عبر التنظير والكتابة النقدية البحتة ولكن عبر الجانب التطبيقي. وعلى الرغم من أن ميوش يقدر تقديراً عالياً شعراء مثل اليوس الذي ترجمه إلى اللغة البولندية إلا أنه لم يضمن له أي قصيدة من قصائده في هذه الأنطلوجيا لأن قصائد اليوس لا تتوافق مع المعايير التي وضعها ميوش نصب عينيه أثناء تجميعه لهذه الأنطلوجيا . تلك المعايير تتمثل باختصار بالحجم الذي يميل إلى القصر والوضوح والمقروئية والواقعية، بمعنى أن تكون القصائد قريبة من الواقع وتميل لوصفه بأقصى دقة ممكنة . وهي بذلك تنقض الرأي الشائع حول أن الشعر هو بمثابة الأرض الشائكة التي تعزب عن الفهم وتستعصي على الوصف.