« كنت في صباي اسمع الادباء يتحدثون عن الشيء المشهور جدا فيقولون عنه انه اشهر من (قفا نبك) وكنت اعجب واسأل من يكون هذا ال (قفا نبك) يا ترى.. ثم تبين لي أخيرا انه مطلع قصيدة لامرىء القيس: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل *** بسقط اللوى بين الدخول فحومل فأصحابنا لا يضربون المثل بعمل مجيد من أعمال العلماء أو المخترعين أو المصلحين.. إنما هم يضربونه بدلا عن ذلك بقصيدة شوهاء نظمها بدوي في قديم الزمان.. ولست أدري ما هو نوع العظمة التي وجدوها في تلك القصيدة» د.علي الوردي، (أسطورة الأدب الرفيع) ص119. بحرارة ديوان الحماسة كله خاض عالم الاجتماع الكبير الدكتور علي الوردي في دم الشعر العربي.. إنه لم يبق شريانا أو وريدا لم يمزقه إربا إربا.. معتقدا أن هذا الشعر (بدوي القيم)، (استجدائي البواعث) وأنه اختص بأمور ثلاثة: 1 مدح الظالمين. 2 وصف الخمرة. 3 التغزل بالغلمان. ثم مضى قائلا: «الشعر العربي مليء بالمساوئ واستطيع أن أعده بلاء ابتليت به الأمة العربية في جاهليتها وإسلامها». هذه الحملة الشعواء أثارت قبل سبعين عاما محبي الشعر العربي وشعراءه فهبوا هبة رجل واحد في وجه آراء الوردي هذه. هذه هي المرة العاشرة التي اقرأ فيها كتاب الوردي (اسطورة الأدب الرفيع) لا لأني استسيغ آراءه.. كلا فانا ضد معظم ما وصف به الشعر العربي.. ولكنني احترم قائلها لذا لا زلت ابحث عن مبرر لأقواله. ومن يلاحظ وصف الشاعر الكبير محمد الماغوط للشعر بانه «الجثة الخالدة» لا يستكثر على الوردي ما قاله. أراك عدت إلى دفاترك القديمة.. فهل نضبت؟ فهل انعدمت المواضيع المفيدة للقارئ حتى تدبج مقالا عن الشعر الذي لو كتب في القرن العاشر لكان ذلك مستساغا؟ أما الآن في زماننا الذي يغلي بمواضيع الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وتهب فيه رياح (الربيع العربي) فمن الوقاحة أو الجدب المدقع أن يكتب عن الشعر. لا.. لم أنضب.. ولكنني أردت اللهو.. أليس اللهو جميلا حتى لو كان الشاعر القديم يعنيني بقوله: ألهت بني تغلب عن كل مكرمة *** قصيدة قالها عمرو بن كلثوم يفاخرون بها مذ كان أولهم *** يا للرواة لشعر غير مسئوم أيها السيد: لقد نسينا الضحك..