هل نحن نهرب من واقع فكري وثقافي وتربوي مؤلم..؟ نعم .. هل نعيش أزمات مجتمعية على المستوى الوطني والعلاقة بين أبناء مناطق المملكة ..؟ الجواب أيضاً نعم .. هل وضعنا حلولا وثقافة مركزية تُعيد تعريف قيم الوطنية في ركائزها العامة وأصولها الفكرية وتعظيم إنسانها الشامل كعقد قانوني تتناغم معه ثقافة نهضوية تُعلي خطاب الوحدة كضمير إنساني أعلى أعلنه القرآن الكريم خلال قوله تعالى : ( ولقد كرمنا بني آدم ) مع كل أسف ..لا. ومرةً أخرى أتساءل : لماذا نُخفي ونختفي حتى تفاجئنا لحظات الحقيقة المروعة. إنّ هذه المبادئ وليست الثقافة وحسب تعصف بوجدان نخبة خاصة تُصنّف من طراز مميز فكريا ومهنيا والكارثة دينياً أيضاً فكيف بالرأي العام؟ وأي مراجعة للمشهد بموضوعية يعلن لك أن القضية ليست واحدا أو اثنين أو ثلاثة. إنها عاصفة تجتاح الصدور .. ولا يجب أن يُنظر إليها بتصنيف واحد وهو الاستعلاء المناطقي فقط, بل بكل المقاييس الموضوعية ككراهية إنسان المنطقة الأخرى انتقاما من حظوظه المظنونة أو المزعومة, بل إن الأزمة من جذور اشكاليتها أنها توسعت وشجعت ثقافة الاستعلاء والعنصرية حين تمارس باسم السعوديين على أشقائهم العرب أو إخوانهم في الإنسانية. فالعنصرية داء لا يجوز أن تُشرّع على شركاء الوطن أو غيرهم, فهل مركز الحوار الوطني والمؤسسات والوزارات والجامعات و و و و.. هي التي لا تعرف ماذا يدور لدى الرأي العام الوطني وما هو مكنونه النفسي..؟ مرة أخرى علينا التأكيد على ألا نُخضع ثوابتنا المعرفية لهذه الشخصية أو تلك وألا نعتقد أنها لا يجوز أن تخطئ، بل نتفهم ذلك سواء تراجعت بوضوح ومصداقية وتواضع أم أصرت على رؤيتها التي سببت جدلا جارحا لقيم الشراكة الوطنية الواحدة, والأصل هو تقدير كل المجتمعات في كل المناطق بأصولهم وأعرافهم, وهذا لا يعني أيضا الحكم النهائي السلبي على هذه الشخصية، بل احترام تفوقه في مجاله واستمرار عطائه لمجتمعه وهل كلما تلاحقت الزلاّت وتفرقت الجماعات تعود الصدور كما هي أم تبقى القضية تزحف في داخل الكيان النفسي المجروح. قضايا وطنية كثيرة تبرز وتتفاعل ثم تغيب وتختفي حتى هيئة مكافحة الفساد اختفت واختفى رئيسها فجأة لا ندري هل ينتظر الرجل ملف جدة جديداً أم انه يُعد لما نجهله ..؟ لكن هذا الملف في العلاقات الوطنية خطير وهناك فرق بين تفجير الخطاب وإثارة الغرائز وبين معالجتها والحقيقة لا يدري الإنسان أين يبدأ لان الدقيق في هذا المسار أنّ علاقات أقاليم المملكة الراسخة في الأصل عروبيا وإسلاميا بلا خلاف بين أقاليمها قضية محورية للتوحّد العام في إطار وطني حقوقي شامل, لكن المشكلة الرئيسة أن تثبيت هذه القاعدة الفكرية إنما يُجسّد عادةً في قيم قانونية تُنظّم عقد الشراكة الاجتماعي بين الدولة وبين المجتمع بكل مكوناته, حيث تعد هذه ركيزة العمل والحوار والتفاعل المجتمعي والثقافي فضلا عن الإطار القانوني للتنظيم الشامل, وكل تلك الخيوط تجتمع في توثيق معاني الوحدة الوطنية كقاعدة يُنطلق منها ثم تصاغ المناهج والرسائل الإعلامية على أساسها .. أساس الصورة الجامعة لا الخصوصيات المختلفة .. وهي مرة أخرى عربية الانتماء إسلامية التشريع، لكن بمنهجية حق الإنسان لا حق مصادرته. وهذا أمر لا يعني أننا سنصبح مجتمعا ملائكيا خالياً من القذف العنصري والتشكيك الولائي الجغرافي الغبي, إنما نؤسّس مرجعية تعالج بها الأخطاء والنزوات, مع ضرورة أن يتبين الرأي العام علاقة المنافع المادية والمصالح الشخصية والطبقيات البرجوازية بتحريك هذا الملف، وإن لم يخل منه حتى فقراء ذاك الاقليم أو هذه المنطقة فخسروا التعاون القانوني وتقاذفوا بالشتم الإقليمي. وهنا ركائز يجب أن نفطن لها. فهناك سمات لأهالي المناطق والأقاليم خاصة مع سعة المملكة وارتباطها بجغرافيا عربية. فالساحل الخليجي على سبيل المثال يربط الشرق في وحدة مجتمعية أضحت عنصر قوة لبرنامج التوحد العام بين الدول مع تشابه السلوك وتطابق الحياة الاجتماعية وهكذا لبقية المناطق المتواصلة مع محيطها العربي الكريم, وإنما مدار العطاء الوطني هو التفوق في خدمة الانجاز الشامل وصناعة الإنسان المؤمن برسالته وتبادل الاحترام لشخصيته أينما كان, والاتحاد في تطوير القيم والصناعة الوطنية التي ترفع الإنسان وتحفظ به ثوابت الهوية, لا مزايدةً بل ولاءً اختياريا انعكس من رضاه واحترام المجتمع له ليتحول إلى الاندماج الوطني الحقيقي الذي لا يفرض عليه الانسلاخ من طبائع منطقته ولونها المجتمعي. مرة أخرى علينا التأكيد على ألا نُخضع ثوابتنا المعرفية لهذه الشخصية أو تلك وألا نعتقد أنها لا يجوز أن تخطئ، بل نتفهم ذلك سواء تراجعت بوضوح ومصداقية وتواضع أم أصرت على رؤيتها التي سببت جدلا جارحا لقيم الشراكة الوطنية الواحدة, والأصل هو تقدير كل المجتمعات في كل المناطق بأصولهم وأعرافهم, وهذا لا يعني أيضا الحكم النهائي السلبي على هذه الشخصية، بل احترام تفوقه في مجاله واستمرار عطائه لمجتمعه. وعموما هذا التقدير الموضوعي المتكرر منذ سنين لزلّة فلان أو علاّن في قضية الوحدة الوطنية يجب ألا تؤخر المعالجة التي مع الأسف ستواجه ميراثا تراثيا سلبيا بين المناطق بعضها بتصنيفات عدة, لكن تعالج بهدوء وبتوسيع المشاركة في الفرص الإعلامية والاقتصادية والتنموية وبلغة الود والتقدير الجميلة بين نخب وأهالي المناطق، وقد لا نستطيع أن نعالج القضية من جذورها, لكن حسب المجتمع من النجاح أن يستشعر انه بات ينزع شوكا أكثر ويغرس مكانه وردا أزهر لوطن يحترم إنسانه فيواليه محبة شعبا وأرضاً.