شكّل لبنان حكومة بعد نحو خمسة أشهر. وفي الساعات الأولى واجهت التشكيلة الجديدة أول الخلافات، بإعلان الزعيم الدرزي طلال أرسلان معارضته للحكومة الجديدة وغضبه من رئيسها. وبدا واضحاً أن قوى 14 آذار تتوجّس من أن تسيطر القوى الحزبية المسلحة على الحكومة الجديدة وتجبرها على تنفيذ مشروعات خارجية ضد الإرادة اللبنانية وضد المصلحة اللبنانية. ويبدو أن رئيس الوزراء الجديد نجيب ميقاتي سوف يواجه اختباراً صعباً، فإن أراد انتهاج الخط الوطني اللبناني والدفاع عن مصالح بلاده واستقلالها فسوف يغضب الأكثر الهيمنة الجديدة التي يقودها حزب الله الموالي علناً وكلياً لإيران ومشروعاتها في الوطن العربي. وإن اتبع هوى حزب الله وأشياعه فإنه سوف يواجه غضباً لبنانياً وعربياً ودولياً. إذ إن حزب الله كان يهدف من اسقاط الحكومة السابقة وتشكيل حكومة ميقاتي لانسحاب لبنان وتجاهل القرارات الدولية وربط لبنان بالسياسات الإيرانية، وما يتبع ذلك من العداء للعالم العربي والمجتمع الدولي، مما يعني إدخال لبنان في دوامة جديدة وحالة من الاضطراب السياسي من جديد. ثم إن وضع لبنان في معركة مواجهة مع المجتمع الدولي سوف يضر بلبنان ويضعف موقفه ويجعله هدفاً سهلاً للذين يودون تصفية الحسابات مع لبنان خاصة الكيان الإسرائيلي. ومن التجارب اللبنانية السابقة، فإن لبنان لن يكون سوى لبنان المستقل فكراً ونهجاً، ولن يكون له خلاص إلا أن يكون ملتزماً بالخط الوطني اللبناني العروبي والانحياز لمصلحة لبنان أولاً، وتشكيل ممانعة وطنية لبنانية ضد محاولات زجّ لبنان في محاور مصالح إقليمية. ومحاولات خطف لبنان وربطه بمشروعات معادية للأمة العربية واستقلال بلدانها، ليست اختراعاً جديداً.. فقد جرّبت الساحة السياسية اللبنانية محاولات اختراق عديدة في حقبة الحرب الأهلية، خاصة من جانب إسرائيل، لكن القوى الوطنية اللبنانية العروبية وقفت ضد المشروعات المعادية وأفشلتها، واستمر لبنان بلداً عربياً حراً. وتفشل محاولات استقطاب لبنان لأن المجتمع اللبناني متنوّع ومتوازن فكرياً وطائفياً وسياسياً، ولا يمكنه قبول لون واحد أو رأي واحد أو حزب واحد. ولكن المشروعات العمياء تستخف بقدرة الممانعة الوطنية اللبنانية وتعتقد أن قوة التنوّع اللبناني هي نقطة ضعف.