قبيل تخرجه في كليته الخاصة، فوجئ الطالب عمر العوضي، و19 من زملائه، بأنهم راسبون، وعليهم إعادة العام الدراسي في المواد التي رسبوا فيها، صرخوا.. واعترضوا، مطالبين بإعادة تصحيح اختباراتهم، ولكن طلبهم قوبل بالرفض القاطع، فلم يجدوا أمامهم سوى أن يعيدوا العام الدراسي برسوم جديدة، خائفين من الرسوب لمرة ثانية. العوضي أدرك فيما بعد أنه وقع ضحية ابتزاز، مارسته عليه جامعته، في إجباره على الرسوب، كي يواصل دفع الرسوم الدراسية عاماً آخر، فاسترجع بذاكرته مسيرته مع الجامعة، فعرف أنها حصدت منه أموالاً طائلة، في صورة رسوم وخلافها طلاب الجامعات الخاصة يتكبّدون خسائر مالية من أجل الحصول على الشهادة (اليوم) كليات أهلية انطلاقاً من الدعم السخي والاهتمام الكبير الذي توليه حكومة خادم الحرمين الشريفين «حفظه الله» لمسيرة التعليم بصفة عامة، سواء في القطاع العام أو الخاص، فقد صدرت قرارات عدة في السابق، تصبّ في صالح التعليم العالي الأهلي، هذه القرارات توفر قروضاً ميسّرة للكليات الأهلية المرخّص لها، كما توفر تأجير الأراضي الحكومية المناسبة التابعة لوزارة الشؤون البلدية والقروية وغيرها من الجهات بأسعار رمزية، لإقامة جامعات أو كليات أهلية، وذلك بموجب عقد إيجار يبرم بين الكلية الأهلية والجهة الحكومية ذات العلاقة، تكون مدته متزامنة مع سريان الترخيص الممنوح بإنشاء الكلية. ويبدو أن بعض الجامعات أو الكليات الأهلية، لم تقتنع بما تتمتع به من مميّزات، وتحاول أيضاً أن تسطو على جيوب الطلاب والطالبات، باستنزاف أموالهم التي يدفعونها كرسوم لمواصلة دراستهم، والبعض منها يميل للتلاعب والغش في نتائج الاختبارات، سواء الشهرية أو الفصلية، من أجل إجبار الطلاب على الرسوب، وبالتالي يتم بقاؤهم في الجامعة لمدة أطول، يقومون فيها بدفع المزيد من الرسوم. الشهادة الجامعية ويعترف ساري الشهراني، أحد الطلاب الدارسين في إحدى الجامعات الخاصة، في تخصص إدارة أعمال، أن أكبر خطأ ارتكبه، أنه التحق بكلية خاصة، ويقول: «عندما فكّرت في أن التحق بجامعة خاصة قبل أربع سنوات، لم يكن في بالي يوماً من الأيام أن الرسوم المادية التي سأدفعها سوف تقف عائقاً أمام تحقيق طموحي في مواصلة دراستي، والحصول على الشهادة الجامعية، خاصة بعد أن رفضت من أكثر من جامعة حكومية، بعد أن تخرجت في المرحلة الثانوية، لذا فقد كان همي هو إكمال دراستي لا غير ذلك». جودة التعليم وأضاف الشهراني: «عندما لا تجد فرصتك في الالتحاق بأي جامعة حكومية، بسبب الشروط التي تقف عقبة في طريقك، فإنك مضطر لأن تطرق أبواب الجامعات والكليات الخاصة لأن هذه المرافق التعليمية أبوابها مشرّعة للكل، على اعتبار أن همّها الوحيد هو الربح المادي، الذي تحصّله من الرسوم التي يدفعها الطالب لإدارة الجامعة، بغض النظر عن مدى جودة التعليم التي يأخذها الطالب سواء كان له فائدة أو غيره مستقبلاً».
عندما فكّرت في أن التحق بجامعة خاصة لم أتوقع أن الرسوم التي سأدفعها ستقف عائقاً أمام تحقيق طموحي في مواصلة دراستي رسوم مالية ولا يختلف رأي الطالب أنور الشمري عن زميله الذي سبقه ويقول: «نحن الطلاب الدارسين في عدد من الجامعات الخاصة، نعاني الكثير من الصعوبات التي تواجهنا في مشوار إكمال دراستنا»، موضحاً «إدارة الجامعة تحاول أن تضغط علينا من خلال فرض أنظمة وقوانين، يقصد منها دفع رسوم مالية، غير التي نحن مطالبون بها، وفي حال ما إذا أبدى الطلاب تذمّرهم، تبدأ الإدارة في التلاعب بنتائج الاختبارات، وكأنها تبتزنا علناً». نتائج الدرجات وتابع الشمري: «عندما يطلب من كل طالب في كلية أو جامعة أهلية، أن يدفع رسوماً تبلغ 25 ألف ريال عن الفصل الدراسي الواحد، فهذا الأمر يراه البعض عادياً، ولكن أن يتم التلاعب في نتائج الدرجات التحصيلية، سواء كانت الشهرية أو الفصلية لبعض المواد المقررة علينا، بغرض الرسوب، وبالتالي التأخير في التخرج، كي نتحمّل المزيد من الرسوم، فهذا يعتبر مخالفاً للشرع وللعرف والأنظمة التعليمية، وفيه استغلال للطالب وذويه، ولا يمكن أن نرضى به». الساعات المقررة وتعلن الطالبة نوره الخالدي (تخصص أشعة) أنها تعرّضت لنوع من الابتزاز في الجامعة التي تدرس فيها «هذا الموقف حدث معي ومع الكثير من الطالبات، وذلك بعد مضي نحو عامين من التحاقي بالجامعة، وعندما تقدّمت بطلب إلى إدارة الجامعة، أوضحت فيه أن عدداً من هيئة التدريس، قام بالتلاعب في نتائج الاختبارات المتعلقة بي، فلم أجد أي تجاوب منها، وعندما اتضح لي ذلك، رفضت الاستمرار في الجامعة، على الرغم من أنني قد أنهيت عدداً ليس بالقليل من الساعات المقررة علي». أطول فترة وأضافت الخالدي: «بلغ عدد الطالبات اللاتي تم رسوبهن في عدد من الكليات في الفصل الأول حوالي 220 طالبة، وكان الرسوب يتراوح بين ثلاث وأربع مواد دراسية، وهؤلاء الطالبات جميعهن كنّ على وشك التخرج في الجامعة، حيث أمضين قرابة أربع سنوات، في إشارة واضحة إلى أن إدارة الجامعة تحاول أن تعيقنا من التخرج، كي نبقى أطول فترة ممكنة، نتحمّل فيها أعباء الرسوم المادية المفروضة علينا.
المانع: هناك خلل في منظومة التعليم العالي بالمملكة دعا عميد كلية التربية بجامعة الملك سعود بالرياض (سابقاً) الدكتور عبدالله المانع وزارة التعليم العالي إلى تفعيل القرار الوزاري، الذي صدر في عام 1425ه، بشأن تشكيل هيئة مستقلة، لتقييم مستوى البرامج والأهداف التعليمية التي تقدم في الجامعات الأهلية، وكذلك دارسة جميع المخرجات الذي تقدمها لسوق العمل، بغرض الحد من استغلالها للطلاب الدارسين فيها. وقال المانع: «في اعتقادي أن هذه الهيئة، لو تم تشكيلها، ومن ثم قامت بتطبيق مهامها بشكل المطلوب، لأحدثت نقلة نوعية في مستوى التعليم العالي في المملكة، ولا يجب أن يقتصر عمل هذه الهيئة على مراقبة الجامعات الأهلية، بل يجب أن يشمل الجامعات الحكومية، التي لا يستفاد من مخرجاتها في سوق العمل». وأرجع المانع «ما يحدث في بعض الجامعات الأهلية، من عدم مبالاة، إلى أن غالبية ملاك هذه الجامعات إما رجال أعمال، لهم ثقلهم في المجتمع وبالتالي لا يمكن المساس بهم، أو أنهم مسئولون في وزارة التعليم العالي، وأضاف بعض الجامعات الأهلية تجبر طلابها على التأخر في الدراسة، وبالتالي يضطرون أن يتحملوا رسوما مالية إضافية، أو أنهم يتركون الجامعة، وهذا صعب، وأكبر دليل، أن هناك تسرباً من بعض الطلاب في بعض الجامعات الأهلية». وأشار المانع إلى أنه «يوجد خلل وعشوائية في منظومة التعليم العالي لدينا في المملكة، وعلى جميع الأصعدة، الأهلي والحكومي، فمن المقترح أن تقوم وزارة التعليم العالي من خلال اقتصاديات التعليم، بوضع تصنيف شامل لكل الجامعات الموجودة في المملكة، تهدف إلى معرفة مستوى المعايير التي يتم تطبيقها داخل هذه الجامعات، على اعتبار أن هناك جامعات تدرس طلابها في مبان مستأجرة وهذا لا يساعد الطلاب على اكتساب المعرفة المطلوبة، من خلال عدم توافر قاعات للدراسة وكذلك مكتبه للقراءة». وختم المانع حديثه: «إن زيادة الطاقة الاستيعابية التي تشهدها الجامعات الحكومية في عدد نسبة قبول الطلاب والتي بلغت خلال السنوات الأربع الأخيرة حوالي 90%، يعتبر من الأخطاء الفادحة التي سوف نعاني منها مستقبلاً، حيث سيصبح غالبية هؤلاء الطلاب عاطلين عن العمل لان الدولة لا يمكنها أن توفر لهم وظائف بعد تخرجهم وظائف في سوق العمل تناسب إمكانياتهم العلمية.