تخطط منظمات الإغاثة الدولية في جمهورية أفريقيا الوسطى لإعادة توطين بعض من الجالية المسلمة داخل البلاد بدلاً من خارجها. ومنذ عدة أشهر دأبت هذه الهيئات وبينها المنظمة الدولية للهجرة والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، على مساعدة المسلمين لمغادرة البلاد، ولكنهم يقومون الآن بتنظيم عملية الانتقال الداخلي. وبحسب شبكة الأنباء الانسانية التابعة للأمم المتحدة "ايرين"، تستهدف الخطة ما يقرب من ألف مسلم حوصروا داخل مجمع مدارس في بوسانغوا (350 كيلومتراً شمال العاصمة بانغي) وتهديدهم من قبل ميليشيات البالاكا، لتتم إعادة توطينهم في بلدة باوا التي تقع على بعد نحو 175 كيلومتراً إلى الشمال الغربي وحوالي 70 كيلومتراً من الحدود التشادية. ويقول عبدة دينغ منسق الشؤون الإنسانية لجمهورية أفريقيا الوسطى إن "أمام هؤلاء الناس خياران فقط، إما أن يبقوا حيث هم، وقد يتعرضون للقتل، أو أن يتم نقلهم. لكنهم أعربوا عن رغبتهم الشديدة في الخروج من بوسانغوا، وعندما سألناهم أين يودون الذهاب أشاروا إلى بلدة باوا". وأضاف قائلاً: "لقد تحدثنا إلى السلطات المحلية في باوا للحصول على موافقتهم لاستضافة هؤلاء وحصلنا عليها، وحددوا مكاناً يمكنهم الذهاب إليه. نحن في مرحلة التخطيط ونأمل خلال الأيام أو الأسابيع القادمة أن نكون قادرين على مساعدة هؤلاء الناس في الخروج من بوسانغوا". وعلى عكس معظم المدن الأخرى في غرب جمهورية أفريقيا الوسطى، أياً كان حجمها، لم تشهد باوا قتالاً بين مقاتلي السيليكا السابقين الذين يشكل المسلمون غالبيتهم، وميليشيات البالاكا الذين ينتمون في غالبيتهم للمسيحية خلال الأشهر القليلة الماضية، وتجنبت العنف الطائفي. وذكرت مصادر محلية انه كرد فعل للعنف في المناطق المجاورة، غادر معظم المسلمين في باوا (الذين قدر عددهم بنحو ألف شخص في 2013) إلى تشاد أو الكاميرون، ولكن بقي حوالي 50 من أرباب الأسر، وعاد عدد قليل آخر. وقال عمر محمد، وهو تاجر مسلم في سوق باوا: "إن الوضع الأمني جيد هنا. وسيكون المسلمون من بوسانغوا موضع ترحيب". وتشير تقارير وكالات الأممالمتحدة الى أن المدارس لا تزال تعمل في باوا، على النقيض من معظم منطقة شمال غرب جمهورية أفريقيا الوسطى، ويبدو أنه يتوفر في السوق المحلية مجموعة متنوعة من المواد الغذائية. كما لا تزال القليل من الماشية ترعى على العشب الجاف في المدينة، في حين اختفت الماشية من العديد من المدن الأخرى في غرب جمهورية أفريقيا الوسطى بعدما طردها الرعاة المسلمون بعيداً أو حرضوا على سرقتهم. وقال دينغ ل"ايرين" انه لا بد من القيام بتحضيرات من أجل مساعدة المسلمين في إعادة التوطين هناك. وأضاف: "نحن بحاجة للعمل على مجالات مثل الوصول إلى المياه والتعليم، وإعطاء هؤلاء الناس فرصاً للحصول على وظائف أو للعمل في الزراعة، ولكننا نعتقد أننا وجدنا حلاً لإنقاذ هذه المجموعة". وتتواجد حالياً أربع منظمات غير حكومية دولية في البلدة. وقال بيتر نوسل من مكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) ان هناك حاجة لتنفيذ تعهدات التمويل حتى يتمكنوا من توسيع نطاق وجودهم. ولم تتعرض باوا لهذا النوع من العنف الذي اجتاح بقية غرب جمهورية أفريقيا الوسطى، وعزت مصادر محلية سبب ذلك إلى عامل آخر يميز البلدة عن غيرها وهو أن لها جماعة متمردة خاصة بها. ويعتقد أن جماعة "ثورة العدالة" تتألف من حوالي 200 مقاتل كانوا فيما سبق جزءاً من جماعة مسلحة يطلق عليها اسم "أبرد" تشكلت في عام 2003 عندما هاجمت قوات الرئيس فرانسوا بوزيزيه الذي أسقطه المتمردون هذه المنطقة. وقد عزت رئيسة لجنة السلام والوساطة المحلية، سيلين ناديكوما، الاستقرار في المنطقة لقوتين: بعثة المساندة الدولية التي يقودها أفارقة في جمهورية أفريقيا الوسطى وبعثة حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي التي نشرت قوات من 150 جنديا في باوا، وجماعة ثورة العدالة التي أشارت إلى أنها ثقل مقابل لجماعة السيليكا، التي استولت على الحكم في بانغي في مارس 2013 وفقدت السيطرة على غرب جمهورية أفريقيا الوسطى خلال الشهرين الماضيين. وأضافت سيلين قائلة: "هذا هو السبب في محاولة جماعة السيليكا تأديب مقاتليهم هنا ومراقبة انتهاكاتهم، لأن مجموعة أخرى كانت تتصدى لهم هنا". ويعني ضبط النفس الذي تقوم به جماعة السيليكا نسبياً في باوا أن السكان أقل ميلاً إلى الانتقام من المسلمين عندما غادرت جماعة السيليكا، وأن جماعة ثورة العدالة كانت قادرة على منع تحريض ميليشيات مكافحة البالاكا على العنف.