اهتم الإسلام بالقرابات القريبة للإنسان، وجعل للقرابة حقوقًا متعددة، تختلف في درجتها على حسب قوة القرابة قربًا وبعدًا، فأوجب الإحسان والبر والنفقة والميراث في القرابات القريبة، وندب إلى الإحسان وصلة الرحم مهما كانت القرابة؛ من أجل الحفاظ على صلة الرحم التي يؤدي الحفاظ عليها إلى قوة المجتمع وترابطه وتكافله، والتي يدل الاهتمام بها على قوة إيمان المجتمع، وحسن أفراده. ومن عظمة الإسلام ألا تتداخل الحقوق والواجبات في بعضها، بحيث يكون في أداء حق ضياع لواجب آخر أو حق مثله، وإنما يكون أداء الحقوق والواجبات على أساس تحقيق العدل في المجتمع فلا يقوم حق في مقابل حق آخر بغير حق، فلا يعطي المزكي أقاربه زكاة ماله بدلا من النفقة الواجبة عليه؛ لأنه بذلك يمنع وصول الزكاة لمستحقيها، ويحتال في أخذ حق قرابته من النفقة وضياع حق الفقراء؛ ولهذا وضع الفقهاء ضوابط لدفع الزكاة للأقارب يجب مراعاتها حتى لا تضيع الحقوق، وتحقق الزكاة هدفها المنشود في إصلاح بناء المجتمع، وتحقيق التكافل الاجتماعي بين أفراده. الأستاذ الدكتور حسن السيد حامد خطاب أستاذ الدراسات الإسلامية بكلية الآداب جامعة المنوفية جمع هذه الضوابط بشكل فريد في بحث بعنوان «ضوابط دفع الزكاة للأقارب في الفقه الإسلامي» وناقش في دراسته بالتفصيل أقوال الفقهاء وأدلتهم في تحديد القرابة ومعناها وفي تحديد النفقات الواجبة لهم وضوابط دفع الزكاة لهم في بحث جاء في مقدمة وتمهيد وثلاثة مطالب وخاتمة.. ففي المقدمة ذكر لخطة البحث ومنهجه وأهميته، ثم في التمهيد: شرح مفردات العنوان الضوابط، الزكاة، القرابة، ثم في المطلب الأول ذكر المؤلف الحالات التي لا أثر للقرابة فيها على دفع الزكاة، وفي المطلب الثاني أشار للضوابط العامة لدفع الزكاة للأقارب، وفي المطلب الثالث فصل في الضوابط الخاصة لدفع الزكاة للأقارب، ثم في خاتمة البحث ذكر أهم نتائج البحث وتوصياته. وخلصت الدراسة بعد البحث والمناقشة إلى: أولا: دفع الزكاة لمستحقيها مهمة شرعية؛ لأن الزكاة إذا لم تصل إلى المستحق لا تجزئ عن صاحبها، وليس كل من يستحق الزكاة يجوز إعطاؤه إياها؛ ولهذا وضع الفقهاء ضوابط لدفع الزكاة للأقارب من أهمها ما يلي: الضابط الأول: أن تكون حاجة الأقارب للزكاة بوصف غير الفقر والمسكنة أو بمعنى آخر: أن تكون حاجة القريب للزكاة ليست بسبب تقصير في النفقة. الضابط الثاني: أن يكون آخذ الزكاة من الأقارب الذين لا تلزم المزكي نفقتهم فالأقارب قسمان قسم تجب على المزكي نفقتهم وهؤلاء لا يجوز دفع الزكاة لهم لأن نفقتهم واجبة شرعا وفي دفع الزكاة لهم تحايل لإسقاط النفقة، وقد فصل الباحث في هذا الضابط وقسم الأقارب بشكل دقيق ودعم الأقوال بالأدلة. الضابط الثالث: ألا يكون في ذلك تحايل لإسقاط نفقة واجبة. ثم ذكر البحث الحالات التي يجوز فيها دفع الزكاة للأقارب دون قيود أو ضوابط، ومن أهمها ما يلي: الحالة الأولى: أن يكون توزيع الزكاة عن طريق الإمام أو الدولة. الحالة الثانية: أن يستحق القريب الزكاة بسبب غير الفقر والمسكنة. الحالة الثالثة: أن يكون القريب ممن لا تجب على المزكي نفقته. فيجوز دفع الزكاة للأقارب الذين لا تجب على المزكي نفقتهم كأبناء العم والأخوال، وأبناء الأخوال وغيرهم. الحالة الرابعة: أن تكون القرابة قرابة رضاع أو مصاهرة، فيجوز إعطاء الأقارب من الرضاعة كالأم من الرضاعة من الزكاة إذا كانت مستحقة للزكاة، لأنه لا تجب لها النفقة. وتعتبر هذه الضوابط التي خلص لها الباحث بعد استقراء مفصل للأدلة الشرعية وأقوال العلماء ومناقشاتهم وترجيحاتهم من الضوابط المهمة التي تعتبر محل جدل كبير، إذ يسأل الناس غالبا عن دفع الزكاة لأقاربهم طمعا منهم في الجمع بين الأجرين الزكاة والصلة، ولكنهم يترددون خشية الوقوع فيما لا يجوز، ولذلك من المهم تحديد هذه الضوابط التي يمكن الرجوع إليها وخاصة لطلاب العلم عند الفتوى، ويمكن الرجوع للدراسة لمعرفة ادلة هذه الضوابط وأوجه الترجيح. الجميل في البحث أنه يتميز بلغة سهلة يمكن لغير المتخصص قراءتها وفهمها، فجزى الله الباحث خير الجزاء على جهده، ومن المفرح أن يقع تحت نظر المهتم بين فترة أخرى مثل هذه الأبحاث المهمة التي تعالج مشكلة تلامس واقع الناس.