تجاوزت الحكومة الأردنية، التي يقودها د.عبد الله النسور، مرحلة الخطر أمس الثلاثاء، بعد تمكنها من تفكيك جهود الاطاحة بها، إثر أزمة اغتيال إسرائيل للقاضي الأردني رائد زعيتر. واستطاعت عناصر الترويكا الأردنية (القصر- الحكومة- المخابرات) تفكيك استحكامات مجلس النواب، الذي اضطر إلى تبني الموقف الشعبي الأردني المتشكل في أعقاب جريمة اغتيال القاضي زعيتر بدم بارد على الحدود الأردنية- الإسرائيلية. ضغوط شديدة قادتها الترويكا الأردنية على النواب، ادت ابتداء إلى إخراج اكبر تجمعاته عن الإجماع النيابي، القاضي ب«طرد السفير الإسرائيلي من عمان واستدعاء نظيره الأردني من تل أبيب»، و»إعادة النظر في بعض بنود معاهدة وادي عربة بين الأردن وإسرائيل»، و«الإفراج عن الجندي الأردني احمد الدقامسة، الذي قتل طالبات اسرائيليات لسخريتهن من طريقة تأديته صلاة الظهر أثناء قيامه بوظيفته قبل نحو 20 عامًا». وعلى مدى أسبوع مضى، هو مهلة مجلس النواب الأردني للحكومة حتى تنفذ المطالب الثلاث، انشغل مطبخ القرار الأردني في تبريد جريمة الاغتيال، بينما سعت إسرائيل إلى تقديم 3 اعتذارات متتابعة، آخرها كان ظهر الاثنين، وفق بيان رسمي للديوان الملكي الأردني تسلمت «اليوم» نسخة عنه. مصدر في الديوان الملكي الأردني أبلغ «اليوم» أن «العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني منزعج من التوتر الذي تشهده مؤسسات الدولة، وأمر بإيجاد مخرج للأزمة، يضمن هيبة السلطات». وقال المصدر، الذي رفض الإفصاح عن اسمه: إن «الملك وجد في اعتذارات السلطات الإسرائيلية، عبر الاتصال الهاتفي، مخرجًا مناسبًا للازمة، التي كادت أن تطيح بحكومة النسور، الفاقدة للشعبية». وبين المصدر أن «زيارة الملك لبيت العزاء بالشهيد زعيتر، وإبلاغه ذويه بأن دم ابنهم لن يذهب هدرًا، وأن الحكومة ستتعامل معه وفق الإجراء اللازم، كان رسالة واضحة لكافة الفرقاء، الشعبيين والرسميين، مفادها أن حل الأزمة سيكون بيد الحكومة، واستنادًا للتقاليد الرسمية الأردنية، ودون قرارات راديكالية غير محسوبة». الموقف الملكي وضع الأرضية التي تحرك عليها طرفي الترويكا الآخرين، الحكومة ودائرة المخابرات العامة واسعة النفوذ، فأفردت الأولى فريقًا من 3 أشخاص، رئيس الحكومة ووزيري «الإعلام» د.محمد المومني و«التنمية السياسية» د.خالد الكلالدة، لتفكيك موقف النواب، عبر اتصالات مباشرة أجريت مع رؤساء الكتل النيابية، وغير مباشرة، تولى القيام بها رئيس مجلس النواب م.عاطف الطراونة. وفي موازاة ذلك، أفردت دائرة المخابرات العامة، وفق مصادر نيابية ل«اليوم» فريقا من كبار ضباطها، بقيادة مديرها الجنرال فيصل الشوبكي، للتواصل مع النواب الأكثر نفوذًا في المجلس، لإطلاعهم على موقف القصر، وبما يثنيهم عن موقفهم من الحكومة، التي رهنوا بقاءها بتنفيذ المطالب الثلاث. وقال نواب، ل«اليوم»: إن «ضغوط الأطراف الثلاثة كانت شديدة، وتضمنت وعودًا بتسهيلات للقاعدة الانتخابية للنواب، واستطاعت التأثير على غالبية أعضاء المجلس». وبرزت تأثيرات «الترويكا» قبيل اجتماع البرلمان الأردني بغرفتيه النواب والأعيان، صبيحة الثلاثاء، إذ أعلن الائتلاف الأكبر في مجلس النواب، الذي يضم 52 نائبًا من كتل «وطن» و»الاتحاد الوطني» و«الوسط الاسلامي» تخليه عن رفع الثقة عن حكومة النسور، عبر تخويله إياها اتخاذ ما تراه مناسبًا في التوقيت المناسب حيال جريمة اغتيال القاضي رائد زعيتر. وقال رئيس كتلة وطن النيابية خالد البكار، في تصريحات صحافية: إن «الائتلاف قرر تقديم مقترح لتنفيذ الحكومة لتوصيات النواب في الوقت الذي تراه مناسبًا»، مرجعا هذا الموقف إلى «مسؤولية الحكومة دستوريًا عن إدارة شؤون الدولة». جلسة البرلمان التي رافق افتتاحها تعزيزات أمنية كبيرة في محيط المبنى، تضمنت نشر آليات مدرعة، افتتحت بحضور الأعيان والنواب وهيئة الحكومة، وبقراءة الفاتحة على روح الشهيد زعيتر، وبكلمات مقتضبة لرئيس مجلس الأعيان (مجلس الملك) عبدالرؤوف الروابدة، وصف فيها الجريمة ب«رصاص الغدر». وألقى النسور خلال الاجتماع كلمة قال فيها: إن «إلغاء معاهدة وادى عربة، الموقعة بين الأردن وإسرائيل، سيعيد إنتاج خطر الوطن البديل، بينما لا يخدم سحب السفراء قضية شهيد الأردن القاضي رائد زعيتر». وأشار النسور إلى ضرورة الإبقاء على الاتصالات مع الجانب الإسرائيلي لمصلحة التحقيق، الذي يشارك فيه الأردن عبر النيابية العامة، ومندوبين عن وزارتي الداخلية والخارجية، والقوات المسلحة الأردنية، مؤكدًا أن «نتيجة التحقيق سيكون لها تبعات قانونية وجزائية وتعويض». وفي أعقاب كلمة النسور طالب رئيس لجنة فلسطين النيابية النائب يحيى السعود بالتصويت على حجم الثقة عن الحكومة، وهو ما لم ينجح به النواب. وأعلن رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة فشل مقترح طرح الثقة بالحكومة، منهيًا بذلك أسبوعًا من التوتر والترقب شهده الأردن. وقال الطراونة بعد التصويت على مذكرة الحجب: «لم ينجح المقترح»، مثيرًا بذلك موجة احتجاج في وسط النواب الرافضين لاستمرار حكومة النسور. وخارج بوابات البرلمان، تظاهر مئات الأردنيين المطالبين بحجب الثقة عن الحكومة، والافراج عن الجندي الدقامسة، إلا أن أيًّا من مطالبهم لم ينفذ داخل البرلمان.