كان الجميع بانتظار خطاب أوباما الموجه للعرب في تلهف معتاد لدى العرب حين ينتظرون من أمريكا أن تخوض في شئونهم وتدلي بنصائحها لتعلمهم معنى العزة والكرامة وكيفية التحول إلى الديمقراطية وفضاء الحرية. ميزة الرئيس أوباما إدراكه العميق بأن الشعوب العربية بحاجة إلى كلمات رنانة وخطابات ملهمة بعد أن ضن الزعماء والقادة العرب بآرائهم وخطاباتهم لشعوبهم وبعد أن تجاهلوهم لفترة طويلة ليقودهم رئيس أقوى دولة في العالم وهم عطشى إلى نهر الكلام وليعبوا من الكلمات الكبيرة التي تدغدغ مشاعرهم وتمس شغاف قلوبهم حتى وإن رجعوا من هذا النهر وهم أكثر ظمأ كما فعل لهم أوباما في خطابه الأخير والذي لم يتعد المواقف المعهودة للإدارة الأمريكية حيال عواصف العرب الأخيرة ونزوعهم نحو التحرر والانعتاق. تسويق كلام مناصرة الشعوب ومفاهيم الإصلاح والتحولات نحو الحرية وحقوق الإنسان يستطيع أي سياسي أن يسوقه لكن المحك الحقيقي فيما يمكن أن تفعله لتحقيق الأهداف والإستراتيجية المتبعة للوصول إلى الهدف الحقيقي وهذا ما يختلف فيه أوباما عن الرؤساء الأمريكيين الآخرين مثل الرئيس السابق بوش والذي صدم العرب والمسلمين بالمواقف الصادمة واللغة الإعلامية القاسية وهو يخاطبنا ويتعالى على مشاكلنا وأحلامنا أما أوباما فقد استغل عطش العرب لكلمات رنانة مثل الحرية والحوار والإصلاح وأصبح يكررها على مسامعنا بما يشبه قول الشعراء الهائمين على وجوههم في بيداء الخراب. في التحليل الأخير ليس بجديد ما قاله أوباما فيما خص الربيع العربي حتى قوله بالدولة الفلسطينية على حدود 1967 منزوعة السلاح هو مجرد كلام سرعان ما يتم نسيانه كما حدث في قصة تجميد الاستيطان وتراجعه عن ذلك الشرط. حين يقف رئيس أمريكا عاجزا عن فرض الحل العادل في القضية الفلسطينية ويسوق الكلام على عواهنه ليدغدغ المشاعر الملتهبة ويعطينا دروسا في كيفية الإصلاحات الملائمة وكيفية إدارة العلاقة بين الشعوب العربية وأنظمتها السياسية إنما هو على طريقة (تستطيع أن تجر الحصان إلى النهر لكن لا تستطيع أن تجبره على الشرب)!! ذكاء أوباما إدراكه سطوة الخطابات لدى الجماهير العربية والوعود الغامضة التي يمكن أن تتركها في النفوس الحائرة والتحريض الذي قد تفعله. في أزمة العرب الراهنة على القادة والزعماء العرب أن يخاطبوا شعوبهم ويحققوا أحلامهم حتى لا يملأ الفراغ الآخرون مثل أوباما وقد نرى زعيما غربيا آخر قد ينافس الرئيس الأمريكي على قلوب العرب.