ألقت الأزمة المتصاعدة في أوكرانيا بأجواء من التوتر على الصعيد الدولي، ما استدعى تحركا دوليا محموما، بعد أن دفعت روسيا بمزيد من قواتها العسكرية إلى الجمهورية السوفيتية السابقة، في الوقت الذي لوح فيه الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، ب"عزل" روسيا سياسياً واقتصادياً، فيما امر الرئيس الروسي القوات المشاركة في تدريبات عسكرية بالعودة إلى قواعدها، ووصف الإطاحة بالرئيس فيكتور يانوكوفيتش بأنه "غير دستوري" و"استيلاء مسلح على السلطة"، مشيرا الى ان استخدام القوة سيكون الخيار الروسي الاخير، محذرا الغرب من فرض عقوبات على بلاده. تحرك دبلوماسي محموم وشهدت أروقة الأممالمتحدة معركة دبلوماسية حادة بين سفير روسيا من جانب، وسفراء العديد من الدول الغربية على الجانب الآخر، خيمت على الاجتماع الطارئ الذي عقده مجلس الأمن، لمناقشة التطورات المتلاحقة في أوكرانيا، والتي تنذر بمزيد من التصعيد. وبينما اتهمت سفيرة الولاياتالمتحدة لدى المنظمة الدولية، سامنثا باور، روسيا بانتهاك القانون الدولي بنشر قواتها في شبه جزيرة القرم، فقد ذكر السفير الأوكراني، يوري سيرغييف، أن القوات الروسية "تحتل" الجزيرة بصورة "غير شرعية"، داعياً إلى وقف "العدوان" الروسي على بلاده. أما السفير الروسي، فيتالي تشوركين، فقد تلا ما قال إنها رسالة من الرئيس الأوكراني "المعزول"، فيكتور يانكوفيتش، دعا فيها موسكو إلى "إرسال قواتها إلى أوكرانيا، لاستعادة الأمن والسلام وفرض النظام، وحماية الشعب الأوكراني"، وقال: إن روسيا تأمل في أن ينهي الشعب الأوكراني هذه الأزمة. عزل روسيا وفي العاصمة الأمريكيةواشنطن، قال أوباما، في تصريحات للصحفيين: إن "الولاياتالمتحدة تدرس سلسلة من الخطوات الاقتصادية والدبلوماسية التي ستعرض روسيا للعزل، في حال واصلت تدخلاتها العسكرية وسياساتها الراهنة في أوكرانيا. وكشف الرئيس الأمريكي، في تصريحات، أن الولاياتالمتحدة قررت بالفعل تعليق تحضيراتها لقمة مجموعة الثماني، ودعا الكونجرس إلى العمل بشكل وثيق مع فريق إدارته، لتقديم حزمة مساعدات اقتصادية إلى أوكرانيا. وشدد أوباما على أنه "ما لا يمكن السماح به بالنسبة لروسيا، هو الإفلات من العقاب حيال وضع جنودها على الأرض، وانتهاك المبادئ الأساسية المعترف بها في جميع أنحاء العالم"، معرباً عن اعتقاده بأن "الإدانة الشديدة التي أعربت عنها الدول من كافة أنحاء العالم، تشير إلى الدرجة التي تقف روسيا فيها على الجانب الخطأ من التاريخ في هذا العمل". مساعدات أمريكية ووصل وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى كييف امس، وأعلن حزمة اقتصادية ومساعدات فنية لإبداء الدعم لحكومة أوكرانيا الجديدة في ظل تصاعد التوتر مع روسيا. وتأتي زيارة كيري بينما تصعد واشنطن وحلفاؤها الغربيون الضغط على موسكو لسحب قواتها من منطقة القرم الأوكرانية، وإلا ستواجه عقوبات اقتصادية وعزلة دبلوماسية. وقال مسؤول بالإدارة الأمريكية تحدث مع الصحفيين في الطريق إلى كييف: إن إدارة أوباما ستعمل مع الكونجرس من أجل الموافقة على ضمانات قروض حجمها مليار دولار للمساعدة في تقليل أثر خفض الدعم المقترح على الطاقة على المواطنين الأوكرانيين. قافلة عسكرية روسية من جهته، أكد المتحدث باسم وزارة الدفاع الأوكرانية، فلاديسلاف سيليزنيوف، لCNN، أن قافلة تضم 12 شاحنة عسكرية روسية محملة بالجنود، عبرت الحدود من روسيا إلى مدينة "كيرش"، شرقي شبه جزيرة القرم، حيث بدأت القوات الروسية في فرض سيطرتها على الجزيرة، كما ان أعداداً من القوات الروسية توجهت إلى القواعد العسكرية الأوكرانية المتمركزة في القرم، وطلبت منها الاستسلام، وهددتها "برد قاس إذا لم تستجب"، إلا أن الناطق باسم قوات الأمن الأوكرانية، بيترو تيمتشيشين، قال إن كييف لم تبلغ بأي إنذار روسي رسمي. واعلن السفير الروسي فيتالي تشوركين، ان الرئيس الاوكراني المخلوع فيكتور يانوكوفيتش طلب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مساعدة عسكرية "للدفاع عن الشعب الاوكراني"؛ كون البلاد باتت "على شفير حرب اهلية". من جهته، دعا الامين العام للامم المتحدة بان كي مون الى ضمان "استقلال ووحدة اراضي اوكرانيا"، وحض روسيا على "الامتناع عن اي عمل من شأنه ان يؤدي الى تصعيد جديد". وتتهم السلطات الاوكرانية روسيا بالاستمرار في نقل عسكريين بأعداد كبيرة الى شبه جزيرة القرم مع هبوط 10 مروحيات قتالية وثماني طائرات شحن خلال 24 ساعة دون ابلاغ اوكرانيا، في انتهاك للاتفاقات الموقعة بين البلدين التي تنص على ابلاغ كييف بمثل هذه التحركات قبل 72 ساعة. سيطرة عملانية روسية ورأى مسؤول امريكي في واشنطن طالبا عدم كشف اسمه، انه بات لموسكو "سيطرة عملانية تامة" على القرم. وحوصرت كافة القواعد العسكرية الاوكرانية من جنود يعملون لحساب السلطات المحلية الموالية للروس. وعلى الارض بقي الوضع متوترا في شبه جزيرة القرم بين الجانبين حتى وان لم تسجل مواجهات في هذه المنطقة الواقعة جنوباوكرانيا. وتمت محاصرة مواقع استراتيجية وقواعد عسكرية ومطارات ومبان رسمية من قبل مسلحين يعتقد انهم جنود روس. أجواء عصيبة وحذر وزير الخارجية الألماني فرانك-فالتر شتاينماير من استمرار تصاعد النزاع في أوكرانيا وإراقة المزيد من الدماء في البلاد، وان التوتر لا يزال مستمرا في أوكرانيا، بنفس الحدة وان الاجواء عصيبة للغاية. وقال: ان اللقاء "الطويل والشاق" مع نظيره الروسي سيرغي لافروف لم يسفر عن اي حل في الافق للأزمة الاوكرانية. وصرح الوزير الالماني امس بعد لقائه لافروف مساء الاثنين: "اجريت لقاء شاقا وطويلا وبالغا في الجدية، لكنه لم يكف للقول بوجود حل في الأفق". "لا يمكنني اصدار مؤشر على اننا على الطريق السليم للتوصل الى حل وان اوكرانياوروسيا سيتحادثان". وتابع الوزير الالماني: انه "يجدر مواصلة اللقاءات قبل انعقاد" قمة الاتحاد الاوروبية الاستثنائية حول اوكرانيا غدا. واضاف: "ينبغي استغلال الوقت المتبقي قبل القمة لبحث امكانات انشاء مجموعة اتصال دولية لتخفيض التوتر": و"الجو متوتر جدا"، بحسب وصفه للأجواء الدبلوماسية الحالية، مضيفا: ان "الشائعات تتوافد من كل حدب وصوب". كما اعرب الوزير الالماني عن "الأمل في ان تكون المعلومات الوافدة حول عودة الجنود الروس الى ثكناتهم على حدود اوكرانيا صحيحة"، مضيفا: "لم احصل على تأكيد رسمي". بوتين: إنه انقلاب ووصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، امس، ما حدث في أوكرانيا بأنه انقلاب غير دستوري وسيطرة للجيش على السلطة. وأكد أن الرئيس الأوكراني السابق، فيكتور يانوكوفيتش، نفذ كل شروط اتفاق 21 فبراير مع المعارضة، وتنازل فعلياً عن كل السلطة. وأضاف في حديث على التليفزيون الروسي في أول تعليق له على الأزمة الأوكرانية منذ الإطاحة بيانوكوفيتش: "لا يوجد سوى تقييم واحد لما حدث في كييف وأوكرانيا ككل، وهو أن هذا استيلاء غير دستوري ومسلح على السلطة". وأضاف الرئيس الروسي: إن يانوكوفيتش ما زال رئيس أوكرانيا الشرعي حتى وإن كان لا يتمتع بسلطة فعلية. وأضاف للصحافيين: إنه ليست هناك حاجة لاستخدام القوة في منطقة القرم بجنوبأوكرانيا في الوقت الحالي، ولكن روسيا تحتفظ بحق اللجوء لذلك "كخيار أخير"، معتبراً أن روسيا تحتفظ بحقها في استخدام "كل الوسائل" لحماية مواطنيها في أوكرانيا. وأكد بوتين أن أي قرار لاستخدام القوة في أوكرانيا سيكون مشروعاً، وأن كل التهديدات ضد روسيا "غير مثمرة ومضرة". وقال: إن المجموعات المسلحة التي سيطرت على القرم "قوات دفاع عن النفس محلية" وليسوا جنوداً روسيين. ليتفهم شركاؤنا موقفنا من جهته، قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف امس: إن روسيا تأمل ألا يفرض شركاؤها الغربيون عقوبات على موسكو بسبب الخطوات التي اتخذتها بشأن أوكرانيا. وأضاف لافروف للصحفيين أثناء زيارته لتونس: "نأمل أن يتفهم شركاؤنا موقفنا". مضيفا: إن ما تقوم به روسيا في القرم صحيح، "وليس من حق أحد أن يغضب من روسيا. فالاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة لم ينفذا التزاماتهما في أوكرانيا". وتابع لافروف: إن أوكرانيا بحاجة إلى حوار شامل لا يستثني أي طرف. إنهاء التدريبات الروسية ونقلت وكالات أنباء روسية عن متحدث باسم الكرملين قوله امس الثلاثاء: إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمر القوات المشاركة في تدريبات عسكرية بالعودة إلى قواعدها بعد الانتهاء من التدريبات. ونفت موسكو أن تكون التدريبات التي بدأت الأسبوع الماضي مرتبطة بالأحداث في أوكرانيا، حيث قال بوتين: إن له الحق في نشر قوات لحماية المواطنين الروس. واختتمت التدريبات وفقا للجدول المحدد. وتابع الرئيس الروسي الاثنين تدريبات اليوم الأخير، ولم يبد أي قلق إزاء التحذيرات من القوى الغربية بأن روسيا قد تواجه عقوبات لسيطرتها على منطقة القرم في جنوبأوكرانيا. ونقل عن ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين قوله: "أعطى فلاديمير بوتين القائد الأعلى للقوات المسلحة لروسيا الاتحادية أوامره للقوات والوحدات المشاركة في التدريبات العسكرية بالعودة إلى قواعدها". وأضاف بيسكوف: إن التدريبات كانت ناجحة. قلق مولدوفي وسعى رئيس وزراء مولدوفا يوري ليانكا، للحصول على دعم الولاياتالمتحدة يوم الاثنين في واشنطن؛ من أجل مصالح بلاده الأمنية والاقتصادية وسط توغل روسيا في أوكرانيا المجاورة. وقال ليانكا عقب اجتماع مع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري: "المشاكل التي تمر بها أوكرانيا مصدر قلق عميق بالنسبة لنا". وأوضح ليانكا، ان الحركة الانفصالية في مولدوفا ما زالت بلا حل، والتوغل العسكري الروسي في شبه جزيرة القرم "مجرد تذكير وحشي" لما سيحدث إذا لم يتم التوصل إلى حل. وتمتد الحدود بين مولدوفا وأوكرانيا على ثلاث جهات لمسافة 1242 كيلو مترا، ويحد مولدوفا من الغرب رومانيا، الجارة الوحيدة الأخرى. وتعد مولدوفا واحدة من ست جمهوريات سوفيتية سابقة يسعى الاتحاد الأوروبي لتوطيد العلاقات معها. وأدى دفع الدول الأخرى، وهي جورجيا وأرمينيا وأذربيجان وروسيا البيضاء وأوكرانيا، إلى علاقات أوثق مع الاتحاد الأوروبي إلى تدخل روسي. وتأتي الأزمة في شبه جزيرة القرم بعد ست سنوات من حرب القوقاز في عام 2008، والتي أدت إلى انفصال أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا عن جورجيا. وتدخلت روسيا عسكريا، بدعوى حماية الأقلية العرقية الروسية في المنطقتين الجورجيتين. وهناك قلق من أن المشاكل مع الأقليات الروسية يمكن أن تتفاقم في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق الأخرى، بما فيها منطقة ترانس دنستر المولدوفية التي تسيطر عليها روسيا. وتسود توقعات بأن يتمكن مواطنو مولدوفا من دخول منطقة شينجن بدون تأشيرة بحلول الصيف المقبل، بينما يستعد الاتحاد الأوروبي لتوقيع اتفاقية سياسية وتجارة حرة مهمة مع مولدوفا في وقت لاحق من العام الجاري.