بالرغم من جهلي المطبق وثقافتي المتدنية في عالم الغناء - ولله الحمد - إلا أنني تابعت بطريقة الصدفة المحضة في إحدى ليالي هذا الأسبوع , لقاء مع المطرب فارس مهدي , والذي يبدو أنه لم يتلوث بعد , أو أنه كفر بمجتمع الصراخ , لانه صرح بأن هذا العام هو عامه الأخير في هذا المجتمع المحاط بالكثير من التوجسات والإشاعات , ولن أعلق على الكثير مما جاء في المقابلة , ولكن لفت نظري أن هناك سوقا غبراء أبطالها شعراء مزيفون يتهافتون على الشهرة بطريقة لا يقدم عليها من يملك ذرة عقل ودرجة متدنية من الحياء , فهؤلاء المدعين والمقتحمين مدائن الشعر على طريقة اللصوص وقطاع الطرق قلبوا كل المفاهيم السائدة وهم يدفعون لهذا المطرب أو ذاك آلاف الريالات مقابل أن يغني لهم كلمات يبدو أنهم حصلوا عليها عن طريق سماسرة الظلام وباعة المشاعر , وهذا الانحراف المخالف لكل القيم الأدبية والمفاهيم الإنسانية , لا يتوقف على تجربة هذا المطرب الشاب , فهناك مطربون يحملون ألقابا قومية يتغنون بكلمات أقل ما يقال عنها أنها سخيفة لشخصيات اعتبارية , يحتار من يفقه في أبجديات الشعر في طريقة سوء اختيارهم لهذه الكلمات الركيكة والفاقدة لمبادئ الشعر البسيطة , وقد دارت الكثير من التهم والتي تواجه بالصمت الدائم والنفي المرتبك أحياناً حول عمليات الرشوة التي تقدم لهذا الفنان أو ذاك مقابل تمرير هذا الاسم أو ذاك نحو الضوء , ولم يجرؤ شجاع واحد على إلقاء حجر في البرك السوداء حتى جاء هذا الفارس وشق الغبار عن هذه الممارسات المخجلة والتي تضع أهل الغناء وشعراءهم التعساء داخل قفص الاتهام مع لائحة طويلة من التهم الأدبية والفنية تجعل هؤلاء المطربين وشعراءهم داخل دوائر متداخلة من الاتهامات التي تطال حتى طريقة فهمهم للحياة العامة , أما الحياة الفنية والأدبية فهم أقل من أن يستوعبوا أبجدياتها . ليس هناك بضاعة مهما كانت رديئة أو مقلدة وغير صالحة للاستعمال إلا ولها ثمن في هذه الحياة , ولو قدر أن هناك تجارا أو مصنعا أو منتجا يدفع لمن يشتري بضاعته لتدخلت سلطات الدولة التي تقع تحت سلطتها مثل هذا الخروج عن منطق الحياة , لأوقفت هذا العبث , وعرضت هذا التاجر على مراكز الطب النفسي , ولكن هذا يحدث في عالم الشعر في دول الخليج مصحوباً بزفة إعلامية تتسم بالغباء المطبق الذي يوزع ألقاب النجومية على هؤلاء المرضى واللصوص وقطاع الطرق , مما جعل الشعر لدينا وبالذات الشعر المغنى من أتعس ما أنتجت البشرية في هذا الشأن , ومع ذلك يذكر لي أحد العارفين بسوق الصراخ أن هناك سوقا رائجة لهذه البضائع الفاسدة . لك الله أيها الشعر الذي كنت حديث القلوب في زمن النقاء فأصبحت حديث الجيوب في زمن الغثاء , وكل شاعر غثائي و فئة المجتمع التي تقبل هذا الزيف بألف غباء وفي الختام ليقبل مني المطرب والشاعر فارس مهدي قبلة على جبينه على صدقة وصراحته التي تحدث بها عن عالم الليل وخباياه وأسراره وسماسرته و لصوصه .