في كتاب "تاريخ بيروت" لسمير قصير (دار النهار - 2006م) مادة تاريخية واجتماعية وسياسية وثقافية واقتصادية ودينية وجغرافية كلها ذات حيوية تشعرك أن التاريخ لا يكتب إلا لمدينة مثل بيروت. كتبها سمير قصير بدم قلبه البيروتي الذي اغتيل ولكنه أبقى لها تاريخاً في الذاكرة. حقاً فبيروت مدينة الأزمان كلها. ما يميز هذه المدينة أنها تحمل من معنى اسمها المجهول الكثير الذي لا يمكن أن يعرف إلا حين فك مغاليقه اللغوية فهو من النطق الكنعاني حسب اللهجة الفينيقية: بير من بئر، ولاحقة (وت) للجمع فهو بمعنى: ذات الآبار. ذات السقاية . ذات البشر. ذات الزمن المفتوح على الأبد. بيروت الألسنة والأعراق والبيوت المقدسة والأنبياء والفنانون والشعراء والقانونيون والمعاهد والحروب والساسة والشيوخ واللصوص والسماسرة والبحارة والفلاحون والتجار والقواد والعسكر.. بيروت نجدها في صورة الفينيق، وفي صورة السريان، والعرب مثلما هي في صورة الأكراد والأرمن.. بيروت في صورة رفقة والخنشارة وأشمون.. بيروت في صورة فخر الدين وجرجي زيدان وفيروز.. بيروت في صورة أنطون سعادة ومريم سماط والأخطل الصغير.. بيروت في صورة ميشال شيحا وليلى كرم وكميل شمعون.. بيروت في صورة جبران تويني وسعيد عقل وماجدة الرومي.. ماجدة التي جاءت مثل عروس إلى الشهادة لا إلى العرس. هذه المرأة الحرة التي حاصرت حياتها الحروب والشائعات والجنون والملل. تطالب ماجدة في برنامج العراب عندما حضرت ليلة السبت الماضية، متشحة بالسواد وعينين مسالمتين، وكما هي دائماً أن يكف هؤلاء اللاعبون بمصائر الشعب اللبناني عن هذه اللعبة القذرة فقد كفرت بالسياسة مثلها كمثل أي لبناني. بدأت ماجدة حنجرة الغناء العربي من خلال والدها حليم الرومي وأغنية أسمهان "يا طيور" الأغنية التي وضعت الغناء العربي نهاية الأربعينيات من القرن الماضي بواجهة الغناء الإنساني، ولم تخف قضايا الإنسان عن غناء ماجدة الرومي فنجاحها في أستوديو الفن 1974قادها إلى فيلم: عودة الابن الضال -1976 ليوسف شاهين مخرجاً وإلى صلاح جاهين شاعراً كذلك الملحنين: بليغ حمدي وسيد مكاوي وكمال الطويل الذي قدم لها أغنية الختام الرائعة من كلمات جاهين التي تقول الكثير مما احتقن في عينيها. وبرغم أن ماجدة امتنعت عن الغناء حيث تفهم مقدم البرنامج المحترم أو ربما كان اتفاقاً مسبقاً رغم ذلك شدت قليلاً من قصيدة سعيد عقل كصلاة "أعطنا ربي" وأغنية من ذاكرة وجع الحرب اللبنانية الأهلية "يا نبع المحبة"، ولكن تذكر أغنية جاهين والطويل تعود إلى واجهة المشهد بكل مشاعر الصراخ والأنين عند تلك الشابة التي انكسر حلم الشهرة منذ بدايته: "ساعات أقوم الصبح قلبي حزين أطل بره الباب يأخدني الحنين اللي اشتريته انباع - واللي لقيته ضاع واللي قابلته راح وفات الأنين وارجع وأقول : لسه الطيور بتطير والنحلايات بطن والطفل ضحكه يرن مع إن مش كل البشر فرحانين إيه العمل في الوقت ده يا صديق غير اننا عند افتراق الطريق نبص قدامنا .. على شمس أحلامنا نلقاها بتشق السحاب الغميق وأرجع وأقول"..