مثل هذه العناوين هي مغناطيس جاذب لمتابعتنا؛ لأن "الشائعة" بطبعها تداعب شهوة الفضول وتشبع رغبة الإثارة، ويتبعثر الطهر الأخلاقي عندما نصدق الشائعة التي نشتهي تصديقها، ونتحول إلى ماكينة إعلامية مجانية لهذه الشائعة؛ لأننا وقعنا في مستنقع الشماتة، ولهذا فإننا نلغي عمل العقول في إعادة بث الشائعة، والمتأمل لقول المولى جل شأنه في إشاعة الفاحشة على أم المؤمنين عائشة حين قال: «إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم»، سيجد أن الله بين أن التلقي لم يحدث بالأذن -وهي مكان السمع والتلقي- بل باللسان مع أنه ليس مكاناً للسماع؛ لأنه أعاد بث الشائعة دون إدخالها لفلتر العقل والتمعن. وليتنا نقتدي بحكمة سقراط عندما جاء له رجل فقال له: أتعلم ما سمعته عن أحد طلابك، فرد عليه: هل أنت متأكد مما سمعت؟ قال له: لا، ثم سأله سقراط: هل هو خبر طيب؟ فأجابه الرجل بلا، وسأله سقراط ثالث أسئلته قائلاً: وهل يفيدني ما ستخبرني به، فكرر الرجل نفس الجواب: لا، فقال له سقراط: إذا كنت ستخبرني بخبر غير أكيد ولا طيب ولا ينفعني فلماذا تخبرني به؟!!. للشائعة جاذبية كبيرة؛ لأنها تخاطب بواعث: (الخوف والأمل والكراهية) عندنا، ولذلك نكون مهيئين لاستقبالها بكل غباء، فحتى الشائعات غير المنطقية قابلة للانتشار، ولا زلت أتذكر تلك الشائعة المدوية التي انتشرت في السعودية عام 2009، عن وجود الزئبق الأحمر في مكائن الخياطة، مما أوصل أسعارها إلى عشرات الآلاف في مشهد امتطى الغباء حصان الشائعة التي كنا نشجعها أملاً بالربح!. الشائعة التي تحظى بانتشار أكبر يكون لها جانب مميز من "الغموض"، مما يثير الجدل حولها ويعطي مزيداً من الوقود لمزيد من الانتشار، وعالما الاجتماع ألبورت وبوستمان وضعا معادلة رياضية للشائعة تقول: أهمية الموضوع x الغموض= شدة الشائعة. في إحدى الدراسات الاجتماعية أُطلقت شائعة مقصودة في الجامعة تقول: (لقد سرقت أسئلة الرياضيات)، وبدأ المختصون في متابعة سلوك الشائعة ونمط انتشارها، وفي النهاية انتشرت الشائعة بهذا الخبر: (تم فصل بعض الطالبات لسرقتهن أسئلة الرياضيات)، وذلك لأنه تزامن مع توقيت الشائعة فصل طالبات لأسباب أخرى، وهذا أثبت أن المروج للشائعة يعيد الصياغة الأساسية لمطلقها، فهو يضيف لها ويحذف منها حسب ما يشتهي، ويربطها بأحداث قريبة منه. الشائعة سلاح قذر لتصفية الخصوم، ورصاصة رخيصة تطلقها نفس مريضة، والمحارب النبيل لا تجد الشائعة في ذخائر سلاحه. العقول الصغيرة تتسع للشائعات الكبيرة، والعقول الكبيرة لا تتسع للشائعات الصغيرة..