ورد أثر في كتاب «الاستيعاب في معرفة الأصحاب» لمؤلفه يوسف بن عبد البر النمري القرطبي: هذا الأثر (قال ابن عبد البر في ترجمتها: خنساء بنت عمرو بن الشريد الشاعرة السلمية قَدِمت على رسول الله «صلى الله عليه وسلم» مع قومها من بني سُليم فأسلمت معهم، فذكروا أن رسول الله «صلى الله عليه وسلم» كان يستنشدها، فيعجبه شعرها، وكانت تنشده وهو يقول: «هيه يا خناس». أو يومئ بيده. قال: وأجمع أهل العلم بالشعر أنه لم يكن امرأة قط قبلها ولا بعدها أشعر منها). إن هذا الأثر ليس بحديث، وليس في دواوين السنة المسندة، ولكنه خبر بلا سند ورد في كتاب الاستيعاب وتبعه المؤلفون في الصحابة من بعده. فلا يؤخذ به ولا يُحتج به. وأوردت هذه القصة لسعة انتشارها في الكتب الدراسية واللقاءات العلمية والمحافل الثقافية؛ لأغراض عدة أبرزها: الإشادة بشاعرية الخنساء «رضي الله عنها»، والأهم جعلها متكأً لخروج المرأة أمام الرجال، وإلقاؤها الشعر بينهم اقتداء بالرسول (صلى الله عليه وسلم) الذي شجّع الخنساء بأن استمع لها في مسجده وسط الرجال، وتعبيره بالرضا عن ذلك. وهنا نتوقف أمام انتشار هذه القصة غير الصحيحة؛ لنقول: على جامعاتنا السعي لتنقيح وتحقيق كتب السيرة النبوية، وكتب سير الصحابة؛ لتمييز الصحيح من الروايات، وبيان ضعيفها يجب على جامعاتنا السعي لتنقيح وتحقيق كتب السيرة النبوية، وكتب سير الصحابة؛ لتمييز الصحيح من الروايات، وبيان ضعيفها وموضوعها، وذلك عبر الرسائل العلمية المحكمة، ثم تولي أمر طباعتها وبيعها بأسعار في متناول الجميع، وكم من الأبحاث العلمية الجادة والرصينة مصيرها النسيان والتلف وسط مكتبات الجامعة، والسبب أن الباحثين لم يعرفوا طريقًا سليمًا لطباعتها عبر دور نشر مأمونة. كما نهيب بالجامعات رصد هذه القصص الواهية ونشرها عبر حسابها الخاص على الشبكة العنكبوتية؛ لتكون زادًا للجميع، فتجمع شتات أعضائها المبرزين. وأيضًا تكون الجامعات العين الراصدة لكل ما يوهن العلم الشرعي الصحيح، وهذا هو عملها الرئيس وما يأتي بعده تبعًا لذلك الأصل. فمتى نرى الهِمم تتسابق؛ لتنبئ عمّا تحويه هموم القلوب؟!