(الشرق والغرب) محددات العلاقات ومؤثراتها.. كتاب جديد صادر عن مطابع الحميضي بالرياض للدكتور علي بن إبراهيم النملة وزير الشئون الاجتماعية حاول فيه رصد العلاقة بين الشرق والغرب، فهي تتعرض إلى قدر كبير من الشد والجذب الفكري والديني منذ قرون، حيث نشأت مدارس فكرية وتخصصات حول هذا الموضوع وظهر على الساحة مفكرون من الجانبين حاولوا تقديم وجهات نظر في هذه العلاقات. وتحدث الكتاب عن محددات هذه العلاقات معدداً سبعة عشر قسماً منها الجهوية (الجغرافيا) والمصطلح والمعتقدات وغيرها معرجاً على الاستشراق والاستغراب والتنصير والحوار... وكلها أمور يرى المؤلف أهمية قصوى في متابعتها ودراستها، ولذلك يخصص لها مساحة وافية يستعرض من خلالها ما تم من لقاءات وحوارات بين الشرق والغرب، وهو ما يعني رصد اللقاءات والكتابات التي يفرد لها المؤلف من خلال إحصائيات ويتناولها بطريقة حديثة، معضدة بالمصداقية. يحاول الكتاب مناقشة الكثير من الحقائق والمسلمات التي تعامل معها المسلمون، إذ قدم نقداً قريباً من الواقع، فهو يقول بأن هناك عدة حقائق تحكم العلاقة بين المسلمين والغرب منها أن ذاكرة المسلمين تحتفظ بصور سلبية حول تعامل الغير معهم، وأن معظم أقطار العالم الإسلامي تعرض لهجمات غير مسوغة من قبل الديانات الأخرى. ويعتقد المؤلف أن هذه الحقائق أفرزت اعتبار المسلمين قوة جيوسياسية موحدة متزايدة من حيث السكان والثروات، معدداً جوانب هذه الثروات ومن ثم يخلص إلى القول إن هناك دعوة إلى تجزئة العالم الإسلامي وتفتيته قد ظهرت.. بل أدت إلى إثارة المشكلات لتضرب دول العالم بعضها ببعض. وتحدث د. النملة عن المسلمين في الغرب ذاكراً أنهم يقتربون من حاجز ال 58 مليون نسمة، لهم منشآتهم ودور عبادتهم ويمارسون أنشطتهم المختلفة وهو ما أدى إلى اعتراف الكثير من الدول الغربية بالدين الإسلامي خاصة وأن الدين الإسلامي يمثل في بعض الدول الدين الثاني مثل بلجيكا. وعلى الرغم من تنامي الإسلام في هذه الدول إلا أن المؤلف يرى أن حادثة 11 سبتمبر كان لها أثر سلبي كبير على انتشار الإسلام مع وجود تيار يخالف هذا القول. وفي نهاية القسم الأول من الكتاب والذي تحدث فيه عن المنطلقات في العلاقة بين الشرق والغرب يخلص إلى القول إن الجدل والحوار مع الغرب سيدوم طويلاً وسينتج عنه تعضيد لحركة الاستشراق التي مر عليها حين من الدهر كانت راكدة فجاءت الأحداث لتعيد لهذه الظاهرة شيئاً من حيويتها وبريقها الذي كانت عليه، بما في ذلك تركيزها على الظاهرات الاجتماعية واتخاذ الإنثروبولوجيا مرتعاً خصباً بدلاً من الاهتمام بشئون الإسلام الأخرى التي سبق تغطيتها من قبل المستشرقين. وعن المحددات السبعة عشر تحدث د. النملة بداية عن الجهوية ذاكراً أهمية التأكيد على عدم الخوض في مسألة الشرق مقابل الغرب، مبرراً ذلك بقوله إن الحديث عن الشرق/الإسلام والغرب أثبت النزوع إلى المقارنة دون النظر إلى الجهة، فالإسلام اليوم قد سرى في الغرب بشكل كبير. ثم يخلص إلى القول إن التأثير الإيجابي داخل الغرب يجعلنا ندرك حكمة الله في إغفال الجهوية للدين الإسلامي، وبالتالي تستمر مسئولية المسلمين في كل مكان بالوسائل المناسبة والمقبولة والمؤثرة. أما المحدد الثاني فكان الإرهاب الذي شكل حاجزاً كبيراً في التعامل مع الغرب على الرغم من بروز إشكالية تحديد مصطلح ما هو الإرهاب ومن هو الإرهابي.. وهو ما نبع من تحديد الإسلام لكثير من المفاهيم منها الإرهاب. إلا أن وجود مثل هذه المفاهيم في الإسلام يحمل - بحسب المؤلف - المسلمين مسئولية كبيرة لتوضيح هذه المعاني بصورته التي ينبغي أن يحمل عليها.. ويقول المؤلف في محدد (الاستشراق) إن المستشرقين يحاولون التهرب من هذا المصطلح، متسائلاً لماذا هذا التهرب؟ ولماذا لا يرغبون في أن يقال عنهم إنهم مستشرقون.. أسئلة كثيرة تحتاج إلى عدد من الوقفات ذلك أن مصطلح الاستشراق كان يلقى رواجاً في انطلاقة النهضة الفكرية وإنشاء وزارات المعارف والثقافة ومجامع اللغة العربية والمجاميع العلمية ومراكز البحث العلمي.. ومن خلال هذه التساؤلات يحاول المؤلف استنطاق بعض آراء المستشرقين والحصول على إجابات لبعض الإشكاليات وتقديم قراءة متأنية لما قدمه هؤلاء المستشرقون من آراء وأفكار. ويخلص الدكتور النملة في خاتمة كتابه إلى التأكيد على أن الشرق والغرب -مع الأخذ بالحسبان مفهوم الولاء والبراء في الإسلام ورغم كل شيء- لا يستغنيان عن بعضهما في البناء الحضاري وفي إسعاد البشرية، وهما شريكان في ذلك، وإن أيا منهما يظل بحاجة للآخر، وأن فرص التعايش والتلاقي بينهما أكثر بكثير وأقوى. وضمن عدة أفكار يقترح المؤلف تجسير الهوة بين الشرق والغرب من خلال العمل على الاستفادة من مقتضيات العولمة واستحقاقاتها بمختلف أبعادها السياسية والاجتماعية والاقتصادية واعتبارها فرصة تاريخية لإصلاح الاعتلال في العلاقة بين الشرق والغرب لصالح نمو الشعوب والمجتمعات والأفراد، على جانبي تلك العلاقة، ولصالح رخائها وازدهارها وتقدمها. غلاف الكتاب