يقام الآن في مدينة سوتشي أولمبياد شتاء 2014 م، بعد افتتاح مهيب لرقم مهيب يقدر بخمسين مليار دولار وهو أعلى رقم صُرف على إقامة مدينة أولمبية إلى الآن. على مدينة شهدت المذابح الدموية التي لم يشهد التاريخ لها مثيلاً خلال القرن الثامن عشر تجاه القبائل الشركسية. وفي الاحتفال سميت القبة التي حلقت فوقها الطفلة الرمز "فيشت"، وتعني باللغة الأديغية "الرأس الأبيض" وهو اسم إحدى ذرى جبال القوقاز، هذه الجبال التي كان الروس يسمونها الجبال الحمراء فخرا بما أراقوا من دماء عليها. بوتين كمن يحاول ترميم وجه تاريخ مخز إلا أن الشراكسة في الداخل وفي المهجر يعارضون إقامة هذه الدورة لأنها ستقام على “المقابر الجماعية لشعوب القوقاز، ويسمون بالشراكسة وهم يتمتعون بسلوك لافت للنظر رغم بعدهم عن الوطن الأم. فقد حافظوا على لغتهم ودينهم الإسلامي لغالبيتهم، بل إنهم استخدموا اللغة العربية في كتاباتهم، إضافة لالتزامهم بعادات وتقاليد أجدادهم وأكثر ما يميزهم هو الصدق والنظام والإباء والشجاعة والصبر. سوتشي العاصمة الشركسية وأرض الإبادة الجماعية لما يزيد على مليون ونصف المليون، وهي الموقع التاريخي لتهجير ما يزيد على مليون شركسي مات أغلبهم في رحلتهم الحزينة المؤلمة. حسب استطلاعات أجراها مركز Pew Research لقد تكونت لروسيا صورة سلبية في الخارج، وقد يكون هذا سببا لإبراز بوتين سوتشي الآن وطمس معالم سوتشي الماضي، لكن أعمال البناء والحفر لبناء مدينته الأولمبية، اختلط ترابها برفات المقابر الجماعية، عظام أطفال ونساء وكهول، لشعب أبي كريم، لدرجة أن الغرب يعتبره أفضل شعب اكتملت فيه الصفات الجسمانية والأخلاقية. بوتين كمن يحاول ترميم وجه تاريخ مخز بمساحيق تجميل لفتت العالم إلى تاريخ هذه المدينة وأنا منهم، فقد انكببت منذ الافتتاح على مشاهدة وقراءة وثائقية لشعوب القوقاز. والخيط الذي يربط بين سوتشي وسوريا أن موسكو لا تزال تؤيد اغتيال الشعب السوري، باستخدام آلته العسكرية الضخمة، وهذا نمط بوتين ضد دولة الشيشان وعاصمتها غروزني، التي صعد من خلالها إلى سدة الرئاسة عام 2000م بعد أن سوى بها الأرض. ستواصل روسيا تسليح قوات الأسد وستتواصل مسيرة تاريخ مجازر غير إنسانية، ولن تستطيع تلك الطفلة التي حلقت على ملعب الافتتاح في سوتشي أن تكون كحمامة سلام تخفي بشاعة الواقع، تخفي أنين الأرض التي تحن لشعوبها، تخفي صور تحشرج أقرانها أطفال سوريا بالسلاح الكيماوي. يفترض بالحكمة الإنسانية أن تتطور وتستفيد من تجاربها، لكن هناك لغزا لم يُحل، كيف وصل العالم إلى تقنيات ومخترعات لحياة أكثر سعادة، في وقت لم يحاولوا دراسة الإنسان ككائن معقد التفاصيل، متفاهم، ومتغطرس في نفس الوقت، يبني ويهدم نفس المكان. لقد حلقت الشعلة الأولمبية -ولأول مرة في التاريخ- في الفضاء، ولا تزال شعلة الحقد متواصلة الاشتعال، لا تحتاج الى أن تحلق، فقد وصلت قذائفها إلى أعماق الأرض، إلى أعماق قلوب لا حول لها ولا قوة.