قال محدثي: * كيف تفسر هذه الظاهرة التي لا تخفى على أحد من المراجعين للادارات ذات العلاقة بالخدمات العامة؟ سألت محدثي: * وما هذه الظاهرة التي تشير اليها؟ قال: * ظاهرة القسوة التي تظهر في تعامل بعض الموظفين مع الناس, بينما تجد بجانبه موظفا آخر بمنتهى اللين والبشاشة والسماحة, فقد قدر لي ان اراجع واحدة من هذه الادارات فاخبرني القسم المختص ان معاملتي ستنتهي بنهاية الدوام وعندما عدت في الوقت المحدد علمت ان المعاملة لم تنته فكان من الطبيعي ان اراجع رئيس القسم الذي احالني بدوره الى الموظف المختص, لكن هذا الموظف لم يتنازل بالرد عندما ناديته بالاسم الى ان اشار زملاؤه اليه فإذا هو متذمر, وقد ضاقت به الدنيا لأنه كما يقول طوال اليوم واقف على قدميه, وعمله لا يتيح له فرصة التقاط انفاسه, ودار بيننا حديث حاولت فيه ان اشرح له ان معاملتي يفترض ان تنتهي في الوقت الذي حدده الموظف وان العودة لمراجعة هذه الادارة صعبة, وان عملي لا يسمح لي بالخروج لمتابعة معاملة لا تستحق اكثر من دقائق لانهائها, فاحتج بكثرة المراجعين ثم احتج بعطل الحاسب الآلي, ثم احتج بكثرة العمل, فلما رأى احد الموظفين ان هذا النقاش سيطول دون جدوى, قام مشكورا واستلم مني رقم المعاملة, وما هي الا دقائق حتى انهاها بهدوء جزاه الله كل خير. كلا الموظفين في قسم واحد, فما الذي يجعل احدهما متوتر الاعصاب, بينما الآخر هادئا, لين الجانب؟ لا تقل هذه طبيعة النفس البشرية, وان طباع الناس تختلف، فنحن امام موظفين احدهما يؤدي واجبه برحابة صدر, والآخر كأنه مرغم على اداء عمله, والمراجع صاحب حاجة لا تعنيه الظروف او الطباع الخاصة لهذا الموظف او ذاك, والفروق في الطباع تتلاشى امام اداء الواجب الوظيفي. لم املك جوابا لكني اكتفيت بالقول: لعل له عذرا وانت تلوم!