على متن طائرة فوق الخليج، كنت أقرأ مقالة في جريدة الفاينانشيال تايمز عن حلف شمال الأطلسي( الناتو) المنقسم على نفسه بشأن إرسال المزيد من عشرات المدربين إلى بغداد بهدف مساعدة الجيش العراقي .لم أستطع المساعدة بنفسي في هذا الشأن لكني قلت :يوجد الآن 26 دولة عضوا في الناتو .. لو أن كل دولة منها ساهمت بمائة جندي فقط لأمكن توفير خمسة جنود لحراسة كل مركز من مراكز الاقتراع في العراق تتعلق بانتخابات يناير.فقد تكون هذه مساعدة كبيرة.ورغم ذلك ، فما الذي يجب أن يدعمه الحلف اليوم إذا لم يساعد في حماية انتخابات حره وعادلة في العراق تواجه بمعارضة أقلية عدائية تتبنى شعاراً واحداً : (الموت لمن يصوت - الفشل للانتخابات). هل كثير أن نطلب من كل دولة عضو في الناتو إرسال مائة جندي يعززون - خلال عطلة أسبوعية - فرصة نجاح الانتخابات العراقية ؟وتحمست لهذه الفكرة وكان أمامي أميال طويلة أقطعها سفراً و واسترسلت :بإمكاني أن أحلق جواً فوق مئات من الجنود من دول الاتحاد الأوروبي غير الأعضاء في الناتو. ثم توقفت عن الاسترسال لحظة سائلاً : هل قلت : الاتحاد الأوروبي ؟ هل تعلم كم شجرة قطعت لطباعة دراسات عن مبادرة الدفاع الأوروبية - وهي مطلب أوروبي لبناء قوة عسكرية مستقلة عن الناتو وأمريكا؟ غابات بالكامل خصصت لتلك الدراسات. ولذلك كنت أفكر : ما الذي يجب أن تتحمله مبادرة الدفاع الأوروبية اليوم إن لم يكن إرسال 500 جندي من الاتحاد الأوروبي للعراق في عطلة أسبوع ، حتى يستطيع العراق البدء في إنشاء أول ديمقراطية حقيقية في الجامعة العربية ؟ انتظرت قليلاً وسألت نفسي: هل قلت الجامعة العربية ؟ إن الجامعة العربية تنتقد بقسوة الولاياتالمتحدة منذ الدقيقة التي أطاحت فيها بطغيان صدام حسين وهي تعلن بثبات أن الحكومة العراقية هناك لا تمثل إرادة الشعب .حسناً ، فنحن الآن نحاول أن نساعد في انتخاب حكومة تكون الأكثر تمثيلاً لشعبها في العالم العربي. ثم ما الذي تفعله الجامعة العربية؟ لا شيء في الواقع. لماذا لا تعرض الجامعة إرسال بعض الجنود العرب والمسلمين لحماية أماكن التصويت في مدن العراق السنية؟ إذا تناولنا الانتخابات العراقية فقط من منظور دراسة عن: مبادرة الدفاع الأوروبية: لماذا أفل الناتو وبزغت المبادرة؟ فعندئذ نستطيع الحصول على آلاف الأوروبيين للمشاركة.وإذا تناولناها من منظور دراسة عن جورج بوش وجنكيز خان: لماذا بوش هو الأسوأ ؟ .. فعندئذ ترسل الجامعة العربية أعداداً غفيرة من الناس نرفض قبولهم .. وسوف تعرض قناة الجزيرة رأينا في مقابلة بهذا الخصوص. ومع ذلك ، فأنا لا أعلم نوع الحكومة التي قد ينتخبها العراقيون. إذ أعتقد أن هذه التجربة بالنسبة لهم بمثابة الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل لجعل بلدهم جيداً وطبيعياً .ولكني بكل تأكيد أعلم أنه يوجد الكثير من العراقيين الذين يحبون في الحقيقة فرصة التصويت على مستقبلهم ، بينما توجد أقلية عدوانية تقوم بقتل الناس هناك حتى لا يمتلكوا هذه الفرصة على الإطلاق. نعم إن عدم فاعلية فريق بوش في جعل العراق آمناً أمر مزعج .ولكن رغم كل ما يقال ، هل هو نداء صعب للعرب و الأوروبيين أن يدركوا في أي صف يجب أن يكونوا ؟هل يشعرون فعلياً بارتياح في عدم المساعدة ؟ قال لي غازي الياور ، الرئيس المؤقت للعراق ، أثناء زيارته لواشنطن: نحن في العراق لدينا الكثير من الإحباط بسبب الكثير من الجيران . ويصف الياور جيران العراق هؤلاء بأنهم جالسون على سور أرجلهم متدلية .. يقرمشون الفستق ، بينما تحاول قوى الظلام تمزيق العراق إرباً. ويضيف: نحن لا نفهم لماذا يطلق على شخص إنتحاري فاسد يزهق أرواح المدنيين الأبرياء في بلد أنه إرهابي بينما يكون في العراق مناضلاً من أجل الحرية. إن الوضع في العراق أشبه ما يكون بقرية صغيرة تمثل كل ما يجري في الشرق الأوسط اليوم : أينما اتجهت فيه تجد الحوار قد انتهى لكن القتال لم ينته - ذلك لأن الأقلية العازمة عازمة على إحباط إرادة الأغلبية التي إما أن تكون هشة أو منقسمة على نفسها في دفع الأقلية للوراء .حتى إن الغالبية العظمى من الإسرائيليين يريدون الخروج من غزه ،لكن الأقلية منهم المتصفة بالعناد والعنف الشديد والتعصب تمسك بزمام هؤلاء وتجرهم للخلف.ومن بين الفلسطينيين من يعتقد أن الحوار قد انتهى لا القتال .إن معظم الفلسطينيين يريدون بوضوح وضع نهاية للصراع مع إسرائيل وفرصة لعيش حياة طبيعية ولكن الأقلية العنيدة من حماس تقاوم . ومعظم دول الناتو- حسب اعتقادي- يفضلون نتيجة حسنة في العراق ولكن الأقلية العنيدة القلقة بشأن نجاح أمريكي أكثر من فشل عراقي تعيق الناتو من التحرك للأمام. لندع الأيام تكشف لنا أنه عندما قرر العراقيون أخيراً إقامة انتخاب حر وعادل ، قرر كل الأشرار الذهاب والتصويت بينما جلس كل الأخيار على سور يُدَلون أرجلهم ويقرمشون الفستق ! * المصدر: ذا نيويورك تايمز 12 ديسمبر 2004م