الحكمة تمثل روح الحياة في جميع مجالاتها، وبدونها تكون الحياة صاخبة يتخللها النزاع والاضطراب، وهي ضالة المؤمن. ينشدها الكثير من الناس، ويسعون إليها لتكون صفة متلازمة بهم.. إنها مشتقة من اسم من أسماء الله " الحكيم العليم، والعليم الحكيم" إنها كلمة الصواب والسداد.. إنها دلالة على رجاحة العقل والحلم ونفاذ البصيرة.. إنها سمة من سمات جلب الخير ودفع الشر. فيها التقرب إلى الله والخشية منه، وأكبر دليل على ذلك قوله تعالى: " يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيراً كثيراً وما يذكر إلا أولوا الألباب" أية 269 البقرة. إن أصحاب العقول النيرة يطلبون الحكمة في كل موقف، والصمت صفة متميزة من صفات الحكمة.. يتحلى بها الإنسان ليدرك مقاصده حيث إنه: " ورد في الأثر أن لقمان دخل على داود عليه السلام وهو يصنع الدرع، فأراد أن يسأله عنها فأدركته الحكمة فسكت، فلما فرغ داود من صنعها لبسها، فقال:" نعم لبوس الحرب أنت" فقال لقمان:" الصمت حكمة وقليل فاعله" فقال داود:" بذا سميت حكيماً". وعليه فإن الحكمة تاج يتشرف به الصغير على الكبير والعبد على سيده، فالناس في مجالسهم وأماكن تجمعاتهم يتجاذبوم أطراف الحديث فمنهم ينطق بالحكمة والقول الحسن فيكون حديثه مسموعاً ورأيه مقبولاً، ومنهم من يفقد الحكمة فينتج قوله عن أفكار فجة ضحلة، يتأولها بعض الناس في التندر والتفكه بأسلوب لا يتلائم مع الموقف وقد يصل الحال إلى الخصام وعدم الوفاق فتنشأ المشكلات فتتفاقم، وقد يتدخل بعض الناس بحكمة وروية فتنطفئ نار المشكلة وتكون برداً وسلاماً على الجميع، حيث إن الدعوة إلى الله في أي أمر من الأمور عن طريق الحكمة، والجدال بالتي هي أحسن، وهذا ما جاء به الأنبياء والرسل، والإنسان حينما يخاطب بالحكمة يكون في كلامه بمشيئة الله الفصل والفضل، فينتهي الموقف المتنازع فيه بالحسنى فيحل الوئام محل الخصام، ويحل الرضا محل الغضب فتنشرح الصدور وتهدأ النفوس، ولذا فإن الحلول الخيرة حمامة سلام ترفرف على الجميع، وكما جاء في الأثر:" عن شرحبيل بن شريك أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلى يقول:" ليس هدية أفضل من كلمة حكمة تهديها لأخيك. ولكنه في بعض الأحيان لا تخلو الحياة من المنغصات فقد يصطدم بعض الناس أثناء التعامل مع شخص لم يعرفه عندما يكتشف أنه يتصف بالطيش والحمق فما عليه إلا أن يعامله بالحكمة حتى يخلص نفسه بأسلوب يحفظ له كرامته مبتعداً عن الدخول في متاهات الحماقة كما قال الشاعر: لكل داء دواء يستطب به إلا الحماقة أعيت من يداويها أمثلة من أقوال الحكماء: أ- " من وصايا الإمام علي كرم الله وجهه لابنه الحسن رضي الله عنه: يا بني احفظ عني أربعاً لا يضرك ما عملت معهن: أغنى الغنى العقل، وأكبر الفقر الحمق، وأوحش الوحشة العجب، وأكرم الحسب حسن الخلق". ب- قال حكيم: الأصدقاء ثلاثة: مخالب ومحاسب ومراغب فالمخالب الذي ينال منك ولا يشكرك، والمحاسب الذي يعطيك بقدر ما يأخذ منك، والمراغب الذي يرغب منك بإخلاص على غير ما يخذلك" وفي الختام: نسأل الله أن يعلمنا الحكمة ويفقهنا في الدين..